خلال مؤتمر نظمته الأمم المتحدة في جنيف تعهدت الجماعةُ الدولية برصد مبالغ تصل قيمتها الإجمالية إلى اثني عشر مليار دولار أمريكي من أجل مساعدة أفغانستان على مدى السنوات الأربع المقبلة، لكنها اشترطت أن يُحقِّق البلد الآسيوي تقدما على صعيد العملية الديمقراطية، وأن يوضع حد للقتال بين الحكومة وحركة طالبان.
وقد تزامن انعقاد المؤتمر مع إعلان برنامج الأغذية العالمي أن اثنين وأربعين بالمائة من المواطنين الأفغان يواجهون خطر المجاعة بسبب القتال والأزمة المرتبطة بجائحة كوفيد 19 والتبدل المناخي.
على الرغم من هذه الخطوة الإيجابية التي تعكس تضامن الأسرة الدولية مع حكومة كابل ما يزال هذا البلد يعاني من العنف والتفجيرات، فبالتزامن مع انعقاد مؤتمر جنيف تحدثت الأنباء الواردة من أفغانستان عن وقوع تفجيرين أسفرا عن مقتل سبعة عشر شخصا وجرح أكثر من خمسين آخرين في منطقة باميان، وسط البلاد، والتي كانت تُعتبر من أكثر المناطق أمناً وشكلت مقصدا لآلاف السياح قبل جائحة كوفيد 19، ويقطنها العديد من الأشخاص المنتمين إلى الأقلية الشيعية.
مما لا شك فيه أن البلدان الواهبة قلقة حيال استمرار الصراع المسلح في أفغانستان بين حركة طالبان وحكومة كابل المدعومة من قبل الجماعة الدولية لاسيما الولايات المتحدة التي أعلنت أنها ستنسحب قريبا من هذا البلد، فيما ينتظر العالم أن يُحقق تقدم في المحادثات بين الطرفين والتي أنطلقت مؤخرا في العاصمة القطرية، الدوحة.
ممثلة الأمم المتحدة في أفغانستان Deborah Lyons أشادت خلال مشاركتها في مؤتمر جنيف بسخاء الجماعة الدولية التي تعهدت بتقديم مساعدات هامة لهذا البلد، لكنها شددت في الوقت نفسه على ضرورة أن تخطو أفغانستان خطوات إلى الأمام، لا إلى الوراء. ويخشى كثيرون من أن يؤدي انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، الذي أعلن عنه الرئيس دونالد ترامب في شهر شباط فبراير الماضي والمرتقب أن يُستكمل في منصف العام 2021، (أن يؤدي) إلى تنامي نفوذ حركة طالبان، التي تحرم النساء من حقوقهن الرئيسة.
من جانبه أكد المسؤول عن السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي ونائب رئيس المفوضية الأوروبية يوزيب بوريل أنه يتعين على حركة طالبان اليوم أن تقدم ضمانات وتلتزم في عملية السلام.
وطالب بوضع حد فوراً لأعمال العنف، الآخذة بالتنامي، لأن الحركة تسعى، على ما يبدو، إلى تعزيز موقعها على طاولة المفاوضات في الدوحة، من خلال توسيع نفوذها ميدانيا.
أما الرئيس الأفغاني أشرف غاني فقد خاطب المشاركين في مؤتمر جنيف، من خلال اتصال بالصوت والصورة، وحثّ البلدان المانحة على عدم التخلي عن بلاده، مؤكدا أن حكومة كابل تعوّل على هذا الأمر من أجل تنمية اقتصادها ومكافحة الفساد. كما لفت غاني إلى إصرار بلاده على الاستمرار في التفاوض مع حركة طالبان بغية الخروج من دوامة العنف التي تؤثر على حياة جميع المواطنين. ويرى المحللون السياسيون أن دعم البلدان المانحة لحكومة كابل يساعد هذه الأخيرة في مواجهة حركة طالبان على طاولة المفاوضات.
وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر جنيف أعلن برنامج الأغذية العالمي، نوبل السلام لعام 2020، أن التهديد الثلاثي الذي تواجهه اليوم أفغانستان والمتمثل في الصراع المسلح وجائحة كوفيد والتبدل المناخي، يعرّض للخطر الأمن الغذائي ويزيد حالات سوء التغذية في البلاد. وأكدت الوكالة الأممية أن حوالي سبعة عشر مليون مواطن يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وقد ارتفع العدد بواقع أربعة ملايين ونصف المليون قياسا مع مرحلة ما قبل جائحة كوفيد.
وتشير مصادر المنظمات الإنسانية في أفغانستان إلى أنه خلال الأشهر المقبلة سيعاني خمسة ملايين وخمسمائة ألف مواطن من انعدام الأمن الغذائي، وسيكونون بأمسّ الحاجة إلى المساعدات الإنسانية من أجل البقاء على قيد الحياة، لاسيما خلال موسم الشتاء. وتتحدث الإحصاءات عن وجود حوالي مليونين وتسعمائة ألف طفل وامرأة حامل يعانون من سوء التغذية، بينهم مليون وثلاثمائة ألف دون الخامسة من العمر. هذا ناهيك عن استئناف القتال في العديد من المناطق، ما أسفر عن تهجير مائتين وسبعين ألف شخص خلال العام 2020، فضلا عن الفيضانات المفاجئة والثلوج التي خلّفت وراءها مائة وعشرين ألف نازح.
أما على صعيد مكافحة وباء كوفيد، فتشير مصادر الحكومة الأفغانية إلى أن هذا الفيروس أصاب اثنين وأربعين ألف وسبعمائة وخمسة وتسعين مواطنا أفغانيا، لكن أقل من واحد بالمائة من المواطنين خضعوا للفحص الطبي.
وكان وزير الصحة الأفغاني قد توقع الصيف الماضي أن يصاب بالفيروس ما لا يقل عن عشرة ملايين مواطن.
لكن لا شك أن التبعات الاجتماعية والاقتصادية للجائحة تفوق الأضرار التي سببها المرض نفسه،لاسيما مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانتشار آفة البطالة فضلا عن انقطاع تدفق أموال المغتربين لعائلاتهم.
المصدر : فاتيكان نيوز