لثلاثين سنة خلت وبالتحديد ليل السادس عشر من كانون الثاني يناير من العام ١٩٩١ بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تدخلها العسكري في العراق على رأس تحالف دولي، وذلك بعد أشهر قليلة على غزو الكويت من قبل قوات الرئيس صدام حسين في الثاني من آب أغسطس من العام السابق.
في منتصف تلك الليلة انتهت المهلةُ المعطاة للعراقيين كي ينسحبوا من دولة الكويت، وبدأت المقاتلات الأمريكية بقصف مواقع تابعة للجيش العراقي، وكانت هذه المرحلةَ الأولى من حرب نُقلت وقائعها مباشرة على الهواء، فرأينا طائرات حربية أمريكية تُقلع من قواعدها في المملكة العربية السعودية، ودوي الانفجارات في سماء العاصمة العراقية ليلا. مشاهدو التلفاز في أنحاء العالم كافة تمكنوا من رؤية ما خلفته الحرب. استمرت الغارات الجوية طيلة خمسة أسابيع، ما أدى إلى تدمير الجسور والطرقات ومحطات الكهرباء والبنى التحتية.
قضى في القصف حوالي عشرة آلاف جندي عراقي، فضلا عن ثلاثة آلاف مدني وما يقارب خمسمائة جندي من قوات التحالف الدولي. ليل السادس والعشرين من شباط فبراير باشرت القوات العراقية انسحابها من الكويت بطريقة أشبه بالهروب. في الثامن والعشرين من الشهر نفسه أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش الأب وقفاً أحادي الجانب لإطلاق النار. مع ذلك لم تسقط الحكومة العراقية واستمر نظام الرئيس صدام حسين لاثنتي عشرة سنة إضافية.
خلال تلك الأسابيع من الغارات والقصف والدمار والموت، وقبلها، أطلق البابا الراحل يوحنا بولس الثاني سلسلة من النداءات الداعية إلى السلام. في الثاني عشر من كانون الثاني يناير وفي خطابه إلى أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الكرسي الرسولي أكد البابا أن السلام ما يزال ممكنا، في وقت كانت تُقرع فيه طبول الحرب في المنطقة. وقال: لقد دقت اليوم ساعة الحوار والتفاوض وتغليب القانون الدولي.
في الخامس عشر من الشهر عينه بعث البابا فويتيوا برسالتين إلى الرئيسين جورج بوش وصدام حسين: في رسالته إلى الرئيس العراقي أكد البابا أنه لا توجد مشكلة دولية يُمكن أن تُحل بقوة السلاح، وأضاف أن الحرب، وفضلا عن كونها توقع الكثير من الضحايا، تولّد أوضاعا من الظلم الشديد والتي تحمل بدورها على اللجوء إلى العنف. أما في الرسالة إلى الرئيس الأمريكي فشدد البابا على ضرورة أن تُبذل كل الجهود الممكنة بغية الحيلولة دون اتخاذ قرارات لا يمكن العودة عنها لاحقاً، وتسبب الآلام لآلاف العائلات الأمريكية ولشعوب الشرق الأوسط أيضا. كلمات البابا هذه لم تلق آذانا صاغية كما هو معلوم. فكانت الغلبة للغة السلاح.
مع ذلك لم يستسلم يوحنا بولس الثاني لهذا الواقع الأليم. فبعد ساعات قليلة على بداية العملية العسكرية التي عُرفت باسم "عاصفة الصحراء" أطلق البابا فويتيوا نداء جديداً صباح السابع عشر من كانون الثاني يناير ١٩٩١، داعيا إلى إحلال السلام في منطقة الخليج. قال البابا في ندائه هذا إن الأنباء الواردة من ساحات القتال ولدت لديه ولدى الجميع مشاعر الحزن والأسى. وذكّر بأنه تمنى وصلّى كي لا يحصل هذا الأمر، وبذل ما في وسعه للحيلولة دون اندلاع تلك الحرب.
وقال البابا إنه يشعر بالمرارة إذ يفكر بالضحايا والدمار والآلام التي تولّدها الحرب، معبرا عن قربه من المتألمين من الجانبين. ولفت إلى أن اندلاع القتال شكل هزيمة للقانون الدولي وللجماعة الدولية. وعاد فويتيوا ليؤكد أن الحرب لا يمكنها أن تشكل وسيلة ملائمة لحل المشاكل القائمة بين الدول، معربا عن أمله بأن تنتهي الحرب في العراق بأسرع وقت، وأن ينير نجم السلام – الذي سطع يوما في سماء بيت لحم – تلك الأمة العزيزة.
المصدر : فاتيكان نيوز