تختبر الولايات المتحدة المصالحة بعد أكثر الانتخابات الرئاسية إثارة للانقسام في تاريخ البلاد الحديث. من لينكولن إلى البابا فرنسيس، كانت الدعوة إلى قيمة الوحدة في التنوع شرطًا أساسيًا لبناء الخير العام وتقدم المجتمع.
"إِذا انقَسَمَ بَيتٌ على نَفْسِه، فلا يَستَطيعُ ذلك البَيتُ أَن يَثبُت". في السادس عشر من حزيران يونيو عام ١٨٥٨، نطق أبراهام لنكولن، الذي كان حينها مرشحًا لمجلس الشيوخ، بهذه الجملة، المستوحاة من إنجيل القديس مرقس، في خطاب يهدف إلى التأكيد على أن الديمقراطية الأمريكية الشابة لا تستطيع الوقوف مع نصف الولايات التي كانت تسمح بالعبودية. هذا الخطاب الذي ألقاه الرئيس المستقبلي للولايات المتحدة، والذي اقتُبس مرات لا تحصى في القرن ونصف القرن الماضي، يبقى تحذيرًا دائمًا للشعب الأمريكي الذي يشير، من شعاره، الذي اختاره الآباء المؤسسون، إلى مبدأ الوحدة: "E pluribus unum".
إنها الوحدة، التي "تفوق الصراع" على حد تعبير الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل"، التي يُدعى إليها بقوة في هذه اللحظة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأكثر إثارة للانقسام والاستقطاب في تاريخ البلاد الحديث. قال رئيس أساقفة الولايات المتحدة، ورئيس أساقفة لوس أنجلوس خوسيه غوميز، في رسالة تهنئة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن ونائبه: "لقد حان الوقت ليجد قادتنا أنفسهم بروح الوحدة". كذلك تطرح وسائل الإعلام الأمريكية قضية المصالحة الوطنية على أنها التحدي الأكثر إلحاحًا الذي سيتعين على الرئيس الجديد مواجهته اعتبارًا من العشرين من كانون الثاني يناير المقبل.
بشكل ملحوظ، في الثلاثين من حزيران يونيو الماضي، تناول البابا فرانسيس بالتحديد مسألة الوحدة في رسالة إلى جمعية الصحافة الكاثوليكية، وهي جمعية وسائل الإعلام الكاثوليكية في أمريكا الشمالية. وقال على الشعار "pluribus unum"، مثال الوحدة في الاختلاف في شعار الولايات المتّحدة الامريكية أن يُلهم أيضًا الخدمة التي تقدّمونها للخير العام. هذه الحاجة هي ملحّة جدًّا اليوم أيضًا في مرحلة مطبوعة بالنزاعات والمصالح التي لا يسلم منها أحد حتى الجماعة الكاثوليكية. ولذلك نحن بحاجة لوسائل إعلام قادرة على أن تبني جسور وتدافع عن الحياة وتحطّم الجدران المرئيّة وغير المرئيّة التي تمنع الحوار الصادق والتواصل الحقيقي بين الأشخاص والجماعات. كلمات مخصصة لوسائل الإعلام، ولكنها تصلح أيضًا إلى مجالات أخرى من المجتمع الأمريكي.
بالتأكيد أن الوحدة بالنسبة للأب الأقدس لا تعني التطابق، وفي هذا السياق بالتحديد تساعدنا صورة المجسم المتعدد الجوانب التي وفي رؤية البابا فرنسيس تعكس التقاء كل التحيزات التي تحافظ على أصالتها فيه. هذا النموذج الذي يصلح بشكل كبير لأمة تقدم نفسها على أنها متعددة منذ ولادتها: متعددة الأعراق ومتعددة الثقافات ومتعددة الأديان. هذا البحث عن الوحدة - الذي تدعمه الصداقة الاجتماعية لاستعادة الأخوّة - ليس، مع ذلك، غاية في حد ذاته، ولكنه يهدف إلى تعزيز خير الفرد والمجتمع. ثنائيٌّ، كان نواة خطاب البابا فرنسيس أمام كونغرس الولايات المتحدة في الرابع والعشرين من أيلول سبتمبر عام ٢٠١٥؛ إذ قال: "إن كان من واجب السياسة حقًّا أن تكون في خدمة الإنسان، فهذا يعني أنه لا يمكنها أن تخضع للاقتصاد والمالية. لأن السياسة، هي تعبير عن حاجتنا الملحّة إلى العيش معًا في وحدة، لكي نَبنيَ، معًا متّحدين، أعظم خيرٍ عام: خير جماعة تضحّي بالمصالح الخاصة، كي تتشارك، في العدل والسلام، خيراتها ومصالحها وحياتها الاجتماعية. إني لا أستخفّ بالصعوبات التي ينطوي عليها هذا، ولكنني أشجعكم على هذا الجهد". دعوة لا يزال صداها يتردّد بقوّة اليوم لا سيما في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الولايات المتّحدة.
المصدر : فاتيكان نيوز