إنَّ البابا فرنسيس متأكد من ذلك ويكرره للجميع: يمكننا أن نخرج من الوباء أفضل أو أسوأ. تدعو الأزمة العالمية إلى إعادة التفكير في معايير التعايش البشري في التضامن. على هذه الفكرة، يعتمد مشروع "كوفيد ١۹ بناء مستقبل أفضل" الذي تم إنشاؤه بالتعاون بين دائرة الاتصالات والدائرة الفاتيكانية المعنية بخدمة التنمية البشرية المتكاملة: من أجل تقديم مسار يحمل من نهاية الوباء إلى بداية أخوَّة جديدة.
من "شر مشترك" مثل الجائحة، يمكننا أن نكتشف مجدّدًا "الخير العام"، قيمة تحتوي على قيم أخرى، التضامن، المساعدة المتبادلة، الحاجة للجماعة. قيم تتجاوز منطق السوق في زمن "هش" لم يشهده التاريخ الحديث من قبل. يكرس البابا فرنسيس سلسلة خاصة من التعليم المسيحي لموضوع الولادة الجديدة من بعد الوباء، لكنه طلب في شهر آذار مارس الماضي من الدائرة الفاتيكانية المعنية بخدمة التنمية البشرية المتكاملة إنشاء لجنة من الخبراء للتحقيق في التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمستقبل واقتراح مبادئ توجيهية لمواجهتها، وللمناسبة أجرى موقع فاتيكان نيوز مقابلة مع عالم الاقتصاد لويجينو بروني أحد أعضاء هذه اللجنة تحدّث فيها حول بناء عالم ما بعد فيروس الكورونا ودور الكنيسة والأديان. والهدف الأول هو تكوين "ضمير قوي" لدى الشباب يساعدهم على مواجهة السيناريو الجديد.
قال لويجينو بروني أهم شيء تعلمته من هذه الخبرة هو أهمية مبدأ الاحتياط والخيور المشتركة. إن مبدأ الاحتياط، أحد أعمدة عقيدة الكنيسة، والذي غاب في المرحلة الأولى من الوباء، يخبرنا بشيء بالغ الأهمية: إن مبدأ الاحتياط يُعاش بقلق شديد على المستوى الفردي ولكنه غائب تمامًا على المستوى الجماعي، مما يجعل مجتمعات القرن الحادي والعشرين ضعيفة للغاية. هذا هو السبب في أن تلك البلدان التي أنقذت بعض دول الرفاهية أثبتت أنها أقوى بكثير من تلك التي يديرها السوق بالكامل. من ثم هناك الخيور المشتركة: بما أن الشر المشترك قد كشف لنا ما هو الخير العام، فقد أظهر لنا الوباء أنه مع المنافع المشتركة هناك حاجة للجماعات وليس للسوق فقط. لا يمكن ترك الصحة والسلامة والمدرسة للعبة الربح.
تابع عالم الاقتصاد لويجينو بروني متحدّثًا عن دور الكنيسة الكاثوليكية في إعداد هذا المستقبل وقال إنَّ الكنيسة الكاثوليكية هي إحدى المؤسسات القليلة جدًا (إن لم تكن الوحيدة) التي تضمن وتحفظ الخير العام العالمي. إذ لا تبحث عن مصالح خاصة، يمكنها أن تسعى إلى مصلحة الجميع. لهذا السبب يتم الاصغاء إليها اليوم كثيرًا، ولهذا السبب عينه يقع على عاتقها مسؤولية ينبغي عليها ممارستها على نطاق عالمي.
أضاف لويجينو بروني متحدثًا عن التغييرات الملموسة التي يرجو رؤيتها بعد هذه الأزمة من وجهة نظر شخصية وعالمية وقال إنَّ الدرس الأول هو قيمة الخيور العلائقية: إن عدم قدرتنا على معانقة بعضنا البعض خلال هذه الأشهر الأخيرة، قد جعلتنا نكتشف مجدّدًا قيمة العناق واللقاء. أما التعليم الثاني فهو أنّه يمكننا ويجب علينا عقد العديد من الاجتماعات عبر الإنترنت، ولكن بالنسبة للقرارات المهمة والاجتماعات الحاسمة، فإن الشبكة ليست كافية، وهناك حاجة للحضور الجسدي. وبالتالي فإن هذه الطفرة الافتراضية قد جعلتنا نكتشف أهمية اللقاءات الشخصيّة. آمل ألا ننسى أبدًا دروس هذه الأشهر (لأن الإنسان ينسى بسرعة كبيرة)، ولا سيما أهمية السياسة كما اكتشفناها خلال هذه الأشهر الأخيرة (كفنِّ الخير العام ضد الشرور المشتركة)، وألا ننسى أيضًا أهمية التعاون البشري والتضامن العالمي.
تابع عالم الاقتصاد لويجينو بروني مشيرًا إلى أن تحضير عالم ما بعد الكوفيد ١۹ يعني أيضًا إعداد أجيال المستقبل التي ستدعى في المستقبل لأخذ القرارات ورسم سبل جديدة وقال إن التعليم ولاسيما تعليم الأطفال والشباب هو استثمار جماعي بأعلى معدل عائد اجتماعي. آمل أنه عندما يتم إعادة فتح المدارس في البلدان التي لا تزال مغلقة فيها، أن يصار إلى يوم عيد وطنيّ. تبدأ الديمقراطية في المدرسة وتولد من جديد هناك في كل جيل. إنَّ الإرث الأول الذي ننقله بين الأجيال هو الإرث التربوي. أضاف لويجينو بروني مؤكِّدًا أنَّ الكنيسة الكاثوليكية هي في الطليعة في تقديم التعليم للفقراء، حتى في ظروف الصعوبة الاقتصادية الكبيرة وقال لطالما كانت الكنيسة مؤسسة للخير العام. لا يخبرنا مثل الإنجيلي لوقا أي شيء عن إيمان الرجل الذي وقَعَ بِأَيدي اللُّصوص فعَرَّوهُ وضربوه ثمَّ مَضَوا وقد تَركوهُ بَينَ حَيٍّ ومَيْت والذي ساعده السامري. خلال الأزمات الكبرى بشكل خاص، تستعيد الكنيسة دعوتها كأمٍّ ومعلِّمة، حيث ينمو احترام غير المسيحيين لها، ويعود ذلك البحر الذي يقبل كل شيء ليعطي مجدّدًا كل شيء للجميع، ولا سيما للأشد فقرًا، لأن الكنيسة عرفت دائمًا أن مؤشر كل خير مشترك هو حالة الأشد فقرًا.
وختم عالم الاقتصاد لويجينو بروني حديثه لموقع فاتيكان مجيبًا على سؤال حول دور التعليم الديني في عالم مليء بالانقسامات وقال يعتمد على كيفية تعليمك له. إنَّ البعد الأخلاقي الموجود في كل ديانة لا يكفي. لإن التعليم العظيم الذي يمكن أن تقدمه الأديان اليوم يتعلق بالحياة الداخلية والروحانية لأن جيلنا قد بدّد في غضون بضعة عقود تراثًا ألفيًا يقوم على الحكمة القديمة والتقوى الشعبية. وبالتالي على الأديان أن تساعد الشباب والجميع على إعادة كتابة قواعد جديدة للحياة الداخلية، لأنّهم إن لم يفعلوا ذلك، فسيصبح الاكتئاب وباء القرن الحادي والعشرين.
المصدر : فاتيكان نيوز