كان أحد المؤمنين يعمل لدى سيِّدة غنيَّة جدًّا، وكان الرجل تقيًّا ومُحِبًّا.
سألته زوجته عن مرتبه الَّذي يأخذه من السيِّدة الغنية، فأجابها:
"لماذا تهتمين بمعرفة المرتب؟ هل سألتِ أَيَّة طلبات وأنا لم أستجب لها؟"
أجابته الزوجة :
"لست أنكر سخاءك، لكن أودّ أن أعرف أين تودع بقيَّة المرتب".
في محبَّة قال لها :
"أنا مسؤول أن أستجيب لكلّ طلباتكِ برضى وسرور، لكن أرجوكِ لا تسألي أين أودع ما يتبقّى من المرتب".
مع محبَّة الزوجة لرجلها وثقتها الكاملة في تصرُّفاته، لكن في حبّ إستطلاع ذهبت إلى السيِّدة الغنيَّة تسألها عن المرتب الَّذي تُقدِّمه لزوجها.
وقالت لها السيِّدة الغنيَّة :
"إنِّي أثق فيه جدًّا وإنَّني أُقدِّم له مرتبًا ضخمًا جدًّا. ألم يخبركِ به؟"
أجابتها الزوجة :
"لم يقبل أن يخبرني بالرقم، ولا ما يودعه من باقي المرتب.. إنَّه مُحِبٌّ وسخيٌّ معي كما مع غيري ولم يعوزني شيء ما، لكن لماذا يخفي عنّي أسراره، وأنا زوجته؟"
تحدَّثت السيِّدة الغنيَّة مع الرجل وسألته عن سبب إخفاء أموره عن زوجته.
فأجابها :
"إنَّني صريح في كلِّ شيء مع زوجتي، إنِّي محبٌّ لها ومستعد أن أبذل كلّ شيء لأجلها، لم أتركها معتازة إلى شيء، لكن لم أُرد أن أشغلها بالمال..."
وإذ صمَّم ألَّا يُخبِر حتّى هذه السيِّدة الغنيَّة أين يودع ماله، فصلته من عمله، أمَّا هو فلم يفقد سلامه قطّ.
في المساء رأت السيِّدة في حلم أنَّها قد إرتفعت إلى السماء ورأت قصرًا عظيمًا، فسألت ملاكًا :
"لمن هذا القصر العظيم؟"
أجابها :
"إنَّه للرجل الَّذي كان يعمل لديكِ".
عندئذ سألته :
"وأين مسكني أنا؟"
وكانت تُفكِّر في نفسها قائلة إذا كان هذا القصر العظيم لهذا الرجل الَّذي يعمل لديَّ، فماذا يكون إذًا جمال قصري وبهاءه!
فقال لها الملاك أن تسير معه.
فإنطلقت إلى مكان بعيد وأخيرًا أراها كوخًا صغيرًا جدًّا، وقال لها :
"هذا هو مسكنكِ!"
تعجَّبت السيِّدة الغنيَّة، وفي ضيق قالت للملاك :
"هل يسكن العامل لديَّ في قصر عظيم جدًّا، وأنا أسكن في هذا الكوخ الصغير جدًّا؟"
أجابها الملاك :
"ذاك هو ما بناه العامل، وهو ما قمتي أنتِ ببنائه!"
إستيقظت السيِّدة من نومها مضطربة للغاية، وإستدعت العامل لديها وقالت له :
"اليوم أودعك كُلَّ أموالي لكي تبني لي قصرًا كالقصر الَّذي بنيته لنفسك!"
فتح الرجل أبواب قصر السيِّدة الغنيَّة للفقراء وكان يُعطي بسخاء، أمَّا هي وزوجته - الَّتي علمت بما رأته السيِّدة في الحلم - فكانتا مسرورتين بتصرُّف هذا الرجل الحكيم، وإشتركتا معه في خدمة المحتاجين.