بعد أن إحترقت غرفته، جاء رئيس الدير بثوبه الأنيق، إلى القدِّيس أناتولي حاملاِ بطَّانيَّته الغالية على قلبه ومُنتعلاً حذاءه الجلديّ الثمين وقال له :
يا أناتولي جئتُ إليكَ لأتعلَّم النُسك، فهل تسمح لي أن أنام عندك الليلة؟
وافق القدِّيس فسأله أين ينام قال له إفترش الأرض، وكان أناتولي ينام في أرض الفرن الَّذي يحرق فيه الفحم لتدفئة الدير، غرفة تملؤها الحجارة وغبار الفحم الأسود.
فوضع رئيس الدير بطّانيَّته أرضاً وخلع حذاءه ونام.
لكن القدِّيس قام ليلاً وأقفل باب الغرفة من الداخل، ثُمَّ رمى حذاء رئيس الدير في النار المشتعلة في الفرن وأقفل باب المدخنة فإمتلأت الغرفة بالدخان، وراح أناتولي يصرخ ويركض وهو يطرد الشياطين بحسب قوله ضارباً إيَّاها بالحجارة!
فإستيقظ رئيس الدير وهو يكاد يختنق من الدخان وصاح به :
ماذا تفعل أيُْها المُهرِّج؟ أكاد أموت اختناقاً !
وبعد معاناة كبيرة كسر أناتولي قفل الباب وخرج مع رئيس الدير ولم ينسَ أن يأخذ البطَّانيَّة معه ويرميها في مياه البحر!
أراد القدِّيس أن يُعطي درساً لرئيس الدير أنَّ حياة النسك تتطلَّبُ مِنَّا التخلِّي عن كلِّ شيءٍ نتعلَّقُ به بما فيها بعض الأمور الحياتيَّة الصغيرة الَّتي تعطينا أماناً وشعوراً بالرضى والإكتفاء الذاتيّ.
فباب الملكوت ضيِّق لا يسعنا دخوله ونحن نحمل مقتنياتنا وعاداتنا الَّتي نتعلَّقُ بها.
علينا أن نُطَئطِئَ الرأس، فارغي اليدين وبدون أمتعة كي نستطيع ولوج الباب المؤدِّي إلى الحياة الأبديَّة !