جاءني عابسًا مغمومًا، وكأنَّه يحمل على كتفيه جبالاً من الهموم ، وإرتمى على الأريكة متأفِّفًا لاعناً الدّنيا والتاريخ والحياة.
- ما بك يا صاحبي؟ بالأمس القريب فقط، كانت ضحكاتك ترنُّ وتملأ الفضاء، وكانت مشاريعك تمشي على قدمين وتركض من نجاح إلى آخَر... ماذا جرى؟ أفِدني.
- وعينكَ ما زالت مشاريعي تضجّ وتزدهر، وما زال الدولار يهرول بمتعة نحو خزائني، لكن القضيَّة لا تكمن هنا، إنَّها تتعلّق بالمعنى، بل قل كما تقول انت دومًا :
إنّني أشعر في نفسي هوّة عظيمة، لا تشبع ولا تريد أن تشبع.
دُلّني على وصفة تُريحني، تسدُّ رمقي وجوعي وترفعني إلى فوق.... فوق المادَّة وفوق المباهج وملذّات الدنيا الَّتي لم تنجح في سدّ هذا الفراغ..
دُلَّني وقُدني إلى الفرح الَّذي يملأ حياتك، وأنت لا تعرف البحبوحة كما أعرف، ولا تُكدِّس الأموال كما أفعل!!!....
فإبتسمتُ إبتسامة خفيَّة وقلتُ في نفسي : لقد حان الوقت.
فلطالما تحدَّثتُ معه وكان يقول :
يوماً آخر.. ليس الآن..
وتنهدتُ وقلتُ :
"إفتح عينيْك يا صاحبي كلّ يوم على كلمة الله ، تأمَّل في الموعظة على الجبل، ورافق معلّم الأجيال في جولانه وجولاته ومحطّات آلامه، وتنفّس بعمق من نُسيمات الإيمان وطلّ المحبّة، وإشرب من ماء الحياة وكُل من على مائدة الربّ خبزَ الحياة، فتنام هادئًا، مطمئنًا يداعب الرّجاء أجفانك.
إنَّها وصفة طبيَّة من فوق يا صاحبي، من العلاء، من لدُن مَن أحبَّنا حتَّى المُنتهى.
إرتسمت الحيْرة على وجه صاحبي وقال : أين أجد مثل هذا الدواء؟
فقمتُ إلى كتاب الحياة، وأمسكته برفق بعد أن طبعتُ على جبينه قبلة الشّكر والعرفان، ثُمَّ فتحتُ أوراقه وقرأتُ له الموعظة على الجبل؛ أروع ما خطَّ قلم وأبدع أدب، وأجمل وأقدس ما إحتواه كتاب.
إنبهر صديقي وإستكان ثمَّ ما لبث أن قال :
- إذن الزَّاد هنا والماء الحيّ هنا.. والأهمّ الحياة هنا.... وأشار إلى كتاب الحياة؛ الكتاب المُقدّس.