في الأحد السادس من الصوم الكبيرة نصل إلى المحطة الأخيرة من معركة الإنسان المهمّش على قارعة دروب العالم، قبل أن تبدأ معركة الله ضدّ كل أنواع الموت. وكأن الله لا يدخل المعركة إلا إذا قام بها الإنسان أولاً.
قام الأبرص بمعركته الخاصة أولاً فكسر قيد الشريعة "الحصون المنيعة" وأتى يسوع طالباً منه الشفاء حسب مشيئته الغير بعيدة عن مشيئة الإنسان.
هكذا فعلت أيضاً المرأة النازفة حين حضرت بمشيئتها خلف يسوع فكانت مشيئته حاضرة أمامها دون أي تكلفة "أطلبوا تجدوا... إقرعوا يُفتح لكم" (صرفت ١٢ سنة من عمرها لتكتشف مشيئتها).
أما الإبن الضال فقد كلّفه أمر إكتشاف مشيئته الكثير، صرف ثروة أبيه وبددها مع الزواني في البلاد البعيدة حتى جاع كثيراً إلى الكرامة، في قمّة ضعفه إكتشف مشيئته وهي أن يعود الى والده والمفاجأة أن مشيئة الرب كانت في الإنتظار.
حين يستحيل على الإنسان التحّرك (المخلع) كما يرغب ويشاء يستطيع من هم حوله مساعدته في نبش القلاع المحصنة والوصول إلى الوسط...
إلى القلب حيث يكون يسوع منتظراً لا بل مستعداً لتتميم مشيئة الإنسان.
لكلّ إنسان معركته الخاصة طالما أنه يحيا ويتحرّك ويملك مفتاح المبادرة "أَجَل، إِنَّنا نَحْيَا في الجَسَد، ولكِنَّنا لا نُحَارِبُ كَأُنَاسٍ جَسَدِيِّين" بل كأناس يمتلكون أسرار نقاط ضعف العدوّ وفي ساعة الحسم ينطلقون إلى الحرب وينتصرون "لأَنَّ أَسْلِحَةَ جِهَادِنا لَيْسَتْ جَسَدِيَّة، بَلْ هيَ قَادِرَةٌ بِٱللهِ عَلى هَدْمِ الحُصُونِ المَنِيعَة".
تلك الحصون المنيعة نصنعها بأيدينا، ندخلها بإرادتنا، نسجن أنفسنا داخلها... تلك الحصون هي الأفكار الخاطئة التي نغذّيها بالأفكار الخاطئة والخيارات الخاطئة.
ترى أحدهم لا يأتي الكنيسة ولا يشارك الرعية بنشاطاتها، وعندما تسأله عن السبب يقول لك أن بيت الله هو للصلاة وليس للإستعراض، ولباس النسوة غير مناسب وغير لائق، وأن الكاهن ليس على "ذوقه" أو أن أحدهم أخذ مقعده!! أو أنّه يعرف الله أكثر من أي أحد أو أنه يعرف كيف يصلّي ويعترف لوحده بينه وبين الله!!
يقول بولس في رسالة اليوم:
"إِنَّكُم تَحْكُمُونَ عَلى المَظَاهِر" تلك الأحكام وتلك المظاهر تسجن الإنسان داخل قلعة يحصّنها بأفكاره المسبقة الخاطئة، قد يستريح فيها طيلة أيام حياته منتظراً الموت.. أو أنه ينتفض على ذاته في اللحظة المناسبة..يهدم الحصون المنيعة (العادات السيئة)..
يهدم الأفكار الخاطئة (التمرد على طاعة المسيح)..
يهدم كل شموخ يرتفع ضد معرفة الله (الكبرياء)..
إجتمعت حول أعمى أريحا كل ظروف اليأس والموت، فهو أعمى وشحّاذ، لا يستطيع العمل، يعيش على حسنات الناس، يشحذ بإذلال لقمة العيش، لا الدولة راعية له ولا الجماعة تكفله، على العكس فإن كل الجماعة ترذله حتى أصبح خارج الإنسانية متروك على قارعة الطريق..لكنه لم يستطع أي أحد سلبه إرادة الحياة، بقيَ لديه القدرة على الصراخ رافعاً الصوت عالياً شاكياً معترضاً على حالته.. خرجت تلك الصرخة من قلب المعاناة "يَا يَسُوعُ ٱبْنَ دَاوُدَ ٱرْحَمْنِي!".
لا أحد يستطيع إسكاتك حين تصرخ إلى الرب مستغيثاً (بصوتي إلى الربِ أصرخُ، بصوتي إلى الربِ أتضرَّعُ واسكُبُ أمامهُ شكوايَ) ربما تكون قد فقدت كل شيء وسُلبت كل شيء، لكن لا أحد يسلبك إيمانك، تستطيع في أي وقت أن ترفع شكواك من الضيق أمام الرب وهو يسمع صراخك وينقذك من سجن نفسك.. يمكنك أن توصل صوتك، يمكنك الآن، لأن “يسوعَ النَّاصِريَّ مارٌّ مِن هُناك” ليس مرور "الكِرام" بل مرور "المخلص" المحرّر وقد لا يتكرر، ليس لأنه لن يمرّ ثانية بل ربما لن يجدك ثانية، هي فرصتك "الآن" لحظة ثمينة "تكون أو لا تكون" أصرخ بكل إيمانك وسيسمع صراخك لا بل سيقف ويأمر أن تأتي إليه “وقَفَ يسوع وأَمرَ بِأَن يُؤتى بِه” سينتشلك من الجحيم ويُعطيك ما تشاء..
إنّ مرور الربّ في حياتك لا يتوقف، هو لا يغيب عنك، حاضرٌ لخدمتك يسألك كالخادم: “ماذا تُريدُ أَن أَصنعَ لَكَ” يقف أمامك كخادم متواضع.
هو يسوع، الله، يقول لك: “ماذا تُريدُ أَن أَصنعَ لَكَ؟ كيف تريدني أن أخدمك؟” يجعل الله من نفسه خادمًا لك(البابا فرنسيس) أطلب ما تشاء هو أمامك ينتظرك أن "تأْسُرُ كُلَّ فِكْرٍ لِطَاعَته" وسيحقق رغبتك فوراً “أَبصِر، إِيمانُكَ خَلَّصَكَ!” ستتحوّل من شحّاذ يستعطي لقمة العيش إلى تلميذ يوزّع على الجائعين خبز الحياة “تَبِعَه وهو يُمَجِّدُ الله” علينا جميعنا أن نقوم بهذه الخطوة يوميًّا: أن نتحوّل من متسوّلين إلى تلاميذ "هكذا يفيض يسوع رحمته على جميع الذين يلتقي بهم: يدعوهم ويجمعهم ويشفيهم وينيرهم ويخلق شعبًا جديدًا يحتفل بعظائم محبّته الرّحيمة.
لنسمح نحن أيضًا ليسوع بأن يدعونا ويشفينا ويغفر لنا ولنتبعه ممجّدين الله"! (البابا فرنسيس)