على الطاولة الكبيرة في مكان إستراحة العاملين، كانت هناك جريدة مؤلفة من تسعين صفحة على الأقل، وثلاث سيّدات كنّ جالسات يتصفّحن الجريدة ولم يقرأنَ منها إلاّ صفحة واحدة.
وبعد أن إنتهينَ، تنهّدنَ وإكتئاب القلب ظاهر على وجوههنّ، وقالت واحدة للأُخرى: قرأتُ مثل هذا الكلام من قبل، ولم يتحقّق شيء.
ثم إنصرفنَ للعمل وهنّ متوقّعات حلول لمشاكلهنّ الإجتماعية والإقتصادية.
فهل عرفتَ عزيزي ماذا كنّ يقرأنَ؟
كنَّ كغيرهنّ من السيدات اللواتي يتصفّحن الجرائد كلّ يوم وبالذّات صفحة الأبراج، يتوقّعنَ أخباراً سارّة، تماماً مثلما يحلم العطشان بشرب الماء في الصحراء، ثم لا يلبث إلاّ أن يستيقظ وهو لا يزال عطشاناً ونفسه ملتهبة.
أغلب الأبراج تعطي آمالاً للقارئ تجعله يعيش في عالم الأوهام والسراب، وعندما لا يتحقّق ما هو مكتوب له، يكتئب ويشعر باليأس.
ومع ذلك يعود في اليوم التالي لقراءة طالع جديد، لعلّه يجدُ خبراً عن تحسن ظروفه المادية أو عن علاقة عاطفية أو عن زواج مناسب، أو عن سفر للخارج، كل ذلك حتى يشبع حاجاته النفسية.
رأيتُ أن أكتب لك عن الأبراج من وجهة نظر أُخرى، لا يمكن للمنجّمين كاتِبي الأبراج في كلّ العالم أن يُنبؤوك بها.
الحمل: رمز للضعف.
وكم يبدو الإنسان أحياناً ضعيفاً هزيلاً أمام مواجهة الصعوبات، فكم من مرة شعرت وكأنك حمل تعيش وسط غابة من الذئاب، والناس من حولك وحوش لا تعرف إلا الافتراس.
الثور: رمز القوة في العمل.
سنوات عديدة تمضي كسرعة البرق وأنت تعمل بكدّ وتعب، والمحصلة النهائية التي تخرج بها صفر اليدين ولسان حالك يقول: الكلّ باطل وقبض الريح.
الجوزاء: برج التوأمين المتناقضين.
وما أكثر الازدواجية في حياتنا، أ ليس لسان حالك يردّد دائماً: لست أفعل الصالح الذي أريد بل الشر الذي لست أريد فإياه أفعل، أريد أن أعيش في القداسة لكني أسقط في مستنقع النجاسة، أرغب أن تكون كلماتي بَرَكة للناس، لكني أجد العكس، لقد وصلت إلى درجة أني صرخت الصرخة العظمى ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني ويحررني من جسد هذا الموت؟. لقد بات الموضوع معقّداً جداً حتى أن الله يقول لك: هل تقدر أن تفك عُقد الجوزاء؟.
السرطان: اسم غير مرغوب به.
هكذا الخطية مكروهة وممقوتة كسرطان عام يجعل كل الجسم سقيماً، فالخطية كنخر في العظام وكرصاصة في الدماغ وكاختناق بغاز سام.
الأسد: قد تبدو أمام الناس كأنك أسد قوي تتحلى بالشجاعة، لكن في داخلك مخاوف من أمور المستقبل وغموض من جهة ما يأتي عليك.
العذراء: حياتك الروحية مهتزة وغير مستقرة فأركان علاقتك مع الله (الرجاء والمحبة والإيمان) بدون أساس راسخ، وفي أحيان كثيرة تتساءل مع نفسك ما هي أعمدة رجائي؟ ما هي قاعدة ايماني؟.
الميزان: رأيتَ أتقياء قابعين في السجون ومجرمين أحراراً يتمشون، فصرخت أين العدالة في هذه الدنيا، أين إله العدل؟ ولا سيما أنك ترى كل شيء مُنقلب رأساً على عقب، فما قيمة الحياة إذاً؟ إذ نحن كغبار الميزان لا نحسب شيئاً، وماذا نزن أو نساوي عند الله الذي خلق العالم والمجرّات؟.
العقرب: ربما يكون الناس قد لدغوا حياتك بآراء صفراء كما تفعل عقارب الصحراء، وبعد أن دارت عقارب الساعة، اكتشفت المأساة أن تلك المنشورات حمقاء لأنَّها صدرت من أناس لا يفقهون شيئاً بكلمة الله.
القوس: ما فائدة السعي بدون هدف؟ وماذا ينتفع الرامي إن سدّد سهماً بلا هدف؟ وكما أن السهام التي تخطئ الأهداف لا تُحسَب شيئاً، كذلك الحياة التي تخطئ هدفها فارغة من أي معنى أو محتوى، والحياة بدون إصابة الهدف مصيبة بحد ذاتها وجميعنا أخطأنا الهدف. الجميع أخطأوا الهدف الوحيد وهو مجد الله، لذلك نعيش حياة مخزية لا تمجد الله.
الجدي: الجدي رمز للعناد. ما أكثر الظروف والأحوال التي تعاند حياتنا، حتى نراها كأمواج عاتية تلاطمنا ونحن مُعذبين نحاول التجديف عكسها، ويعترينا الخوف إذ ليس لنا قائد للسفينة. قد تُجرب في مثل هذه الظروف، وأنت للمرة الأولى والأخيرة تبحر في محيط العالم دون أن تعرف أين المرسى الحسن والأمين، كل شيء ضدك في رحلة مجهولة الميناء.
الدلو: حياتنا قد تكون كبئر عميقة في صحراء، وبعد العناء لا نجد إلا مياه مُرة لحياتنا، سئمنا من حفر الآبار لنفتش لأنفسنا عن مياه حلوة، في أرض سبخة، ونحن نتساءل: أ ليس بسبب شرورنا نستقي مرارة لنفوسنا؟ كل من يشرب من مياه الملذات واللهو بالشهوات العالمية يعطش أيضاً.
الحوت: أصبحت حياتك روتينية مغمورة بأعمال متعبة ومشاغل وهموم وكأنك قد أُبتلعت من أسياد الزمان ومراوغة الحيتان الأقوياء، كما أنت مُبتلع من قساوة الزمان وترجع بذاكرتك لسالف الزمان وتقول: لماذا كانت الأيام الأولى خيراً من هذه؟ ويجيبك الحكيم: سؤالك هذا لا ينمّ عن حكمة.
أيّها القارئ الكريم...
هيا لنهرب من هذه الأبراج ولا نعود إلى واحدة منها، إفرح وتهلل، فلقد وجدنا البرج الحصين الذي يركض إليه الجميع، البرج المنيع الذي لا تؤثر عليه أفلاك ومدارات الزمان، إنه البرج الذي يحمل كل الأبراج بكلمة قدرته.
الحمل: يسوع هو حمل الله الذي رفع خطية العالم فوق الصليب. لقد صُلب من ضعف، لأجل خلاص الضعفاء. إقرأ رسالة رومية 5: 6 - 8، وأيضاً رسالة بطرس الأولى 1: 18 - 19.
الثور: منذ الآن تكون حياتك العملية ناجحة لأنَّ القوة التي تحتاجها مُذخَرة في المسيح لحسابك، وكل ما تصنعه ينجح لأن الرب هو العامل فيك بقدرته الإلهية بقوة الروح القدس. سفر التكوين 39: 23 .
الجوزاء: أنت مدعو لحياة الوئام مع المُحِبّ الألزق من الأخ، "يسوع" الذي أحبك وأسلم نفسه لأجلك وقد غسلك من خطاياك بدمه. أنت الآن خليقة جديدة في المسيح يسوع، الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً، رسالة كورنثوس الثانية 5: 17. أنت الآن مدعو لتكون مشابهاً صورة المسيح أخلاقياً وفكرياً وفي توافق وانسجام مع أقوال الله الصادقة والأمينة.
السرطان: أنت الآن مُنقَذ من سرطان الخطية وسمومها، إذ أُبطِلَت الخطية بذبيحة المسيح والترياق كان كفارة المسيح، فالموت لن يفصلك عن محبته. عبرانيين 9: 26.
الأسد: لا تخف لأني فديتك، دعوتك باسمك أنت لي. هذا هو وعد الله الذي تمَّمه المسيح بموته على الصليب، حيث أحرز المسيح انتصاراُ عظيماً، لكي يجعلك تحيا حياة النصرة على الخطية والشيطان، فتنشد بفرح: يعظم انتصارنا بالذي أحبنا، ولكي ترفع رأسك عالياً لأن الخطية تنكِّس الرأس. سِرْ وراء المسيح في موكب انتصاره العظيم . إقرأ سفر رؤيا يوحنا 5: 5."هوذا قد غلب الأسد (الرب يسوع) الذي من سبط يهوذا" رؤيا يوحنا 5:5
العذراء: هذا هو الحُبّ العجيب، الذي أُعلِن عنه في سفر أشعياء 7: 14. يدعون اسمه عمانوئيل أي الله معنا (إنجيل متّى 1: 22 - 23). لقد جاء المسيح لكي يثبّت لك ركائز العلاقة مع الله والتي لا يمكنك أن تنصبها بنفسك، لأن قواعدها وأساساتها ليست من الإنسان الأرضي بل من الله السماوي. يسوع هو رجائي، يسوع هو قاعدة وصخرة إيماني، ومحبة يسوع هي الأساسات التي تشدّني إلى محبة الله والناس، لأجل حبّه العجيب الذي غرسه في أعماق قلبي، لذا لن أتزعزع.
الميزان: ستدرك يقيناً منذ الآن أن الرب يسوع إله عادل وأحكامه حق، وستعيش حياتك باتّزان دون تذبذب أو تقلقل. فأنت في ميزانه الخاص لؤلؤة غالية الثّمن، لأنه اشتراك بأغلى ثمن وفداك بموته على صليب العار، لكي يهبك حياة أبدية، حياة لا ُتشترى بالأموال ولا بموازين الأعمال ولا بأثقال الديانات، لأن في الصليب التوازن العجيب بين عدالة الله التي تطالب بالدنيوية والتي أخذها المسيح من جهة، وبين الرحمة والحياة الأبدية اللتين يهبهما لكل من يؤمن بعمله الكريم من جهة أخرى. إقرأ (إنجيل يوحنا 3: 36، رسالة بطرس الرسول الأولى 1: 18 - 19).
العقرب: لن يقدر الناس فيما بعد أن يلدغوا حياتك، لأنك ستعيش كالنسر المحلِّق في سماء عالية، ستعيش في حرية تتغلب فيها على جاذبية الخطية الأرضية (رسالة غلاطية 5: 1). وكلما نظرت إلى عقارب الساعة، ستقول الوقت قريب للقاء الحبيب للاستقرار في الوطن السماوي السعيد برفقة الفادي الحبيب.
القوس: يسوع هو هدف أهداف العمر الذي يستحق أن نعيش له، فهو الغاية العظمى. وسهام حياتك، أي خطة حياتك هو الذي سيجعلها تصل الى مقاصده النبيلة، لأنه ماسك بيديك ليعضدك في كل شيء، فأنت من الفائزين على الدوام، لأن الرب يسوع فاز بك أولاً عندما اجتذبك اليه.(إقرأ رسالة كورنثوس الأولى 9: 24 - 25).
الجدي: يسوع هو ربّان سفينة حياتك ومهما كانت الظروف معاندة لك وكأنها أمواج متلاطمة، فإنه بكلمة واحدة يقول لبحر ظروفك اسكت ولعواصف زمانك ابكمي، فيصير هدوء عظيم في حياتك. ولا بد أن تصل لشاطئ السلام بأمان لأن يسوع دخل إلى السماء أولاً لأجلك، فلابد أن ترسو أنت أيضاً في ميناء السماء بسلام.(إقرأ المزمور 29.
الدلو: يسوع هو الماء الحي لنفسك العطشانة في وسط عالم ظمآن لا يعرف سوى مياه البحر المالحة، أو مياه آبار مُرّة. ها هو ينادي للجميع قائلاً: أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً (رؤيا يوحنا 21: 6). فاحصل على الارتواء منه كل حين، من مياه كلمته، فلا تعود فيما بعد تفتش عن آبار مشققة لا تضبط ماء (إرميا 2: 13).
الحوت: إذا سمح الله لك بالدخول في تجارب متنوعة تتصورها كالمكوث في جوف الحوت، لا تقلق، فالرب يسمع صلاتك ويصعدك من عمق الصعوبات، فعند الرب السيد للموت مخارج (مزمور 68: 20. الرب معين لي فلا أخاف ماذا يصنع بي إنسان، الرب يصعد حياتك من أعماق التجارب ويزيح عنك أحمال وهموم الحياة (الرسالة إلى العبرانيين 13: 5 - 6).
أنت لست وحيداً، ها أنا معك، هذا هو وعده إلى الأبد.
أخيراً ....
هل أنت في أبراج العالم؟ أم إتّخذت يسوع برجاً لخلاص نفسك؟