كانت أسعد لحظات حياته عندما يقفل باب حجرته بالمفتاح ويفتح الخزنة ويعدّ ما معه من نقود ويضيف عليهم إيراد الأسبوع ثمّ يستمتع بأن يعدّهم ثانية و يغلق الخزنة ثمّ يفتح الحجرة مُعلناً لزوجته وأولاده أنَّ الحالة الإقتصاديَّة متدهورة ويجب ربط الأحزمة.
أمّا أسوأ لحظات حياته هي عندما يسأله فقير صدقة ، فيشعر بإرتفاع في الضغط ويشتمه مطالباً إيَّاه بعدم العودة ثانية وإلَّا أبلغ عنه الشرطة.
وفي أحد الأيَّام طرق الباب ففتحت الفتاه الشغالة فوجدت سيّدة وقورة لا يخلو وجهها من مسحة حزن تسأل عن الأستاذ بطرس, فسألتها من هي فقالت لها : ( قوليله زوجة فراش المكتب) ، أخبرت الشغالة سيّدها بذلك فجاء مسرعاً ليعرف إن كان هناك أي أخبار تتعلَّق بالعمل.
قالت السيّدة :
أنا آتية لكي تنقذني , إنَّ ابنتي على وشك أن تموت والطبيب قال إنَّها تحتاج لعمليَّة مستعجلة وأدوية غالية وأنا محتاجة لمبلغ سلف من سيادتك ومستعدَّة أن أشتغل به عندك لغاية ما أموت يا سيّدي.
إحمرَّ وجه بطرس من الغضب وصرخ قائلاً :
"بره.. بره.. اتركيها تموت. كيف تجرأت أن تدخلي بيتي لهذا السبب التافه قولي لزوجك اللي بعتك أنه مرفود من العمل"
وتركها ودخل غرفته ورزع الباب وراءه.
شعرت الشغّالة أنّ سهماً يخترق قلبها فجرت وراء السيّدة وفي لمح البصر خلعت الحلق الثمين (تحويشة العمر) من أذنيها وأعطته للسيّدة وهي تقول لها أرجوك تطمنيني عليها , دمعت عينا السيّدة عرفاناً بجميلها ونزلت.
أمّا بطرس فجلس على كرســيه وهو يرتعــش من العصــبيّة , ولم يدرِ ماذا حـــدث له حتّى وجد نفسه يسير في قصر رائع ... لا ليس قصراً إنَّه شيء أشبه بالخيال.... ما هذه الأحجار الكريمة.... الأنوار البهيّة..... النغمات العذبة.....
لم ينغص عليه شيئاً سوى الشعور بالجوع القارص وهو يرى مائدة كبيرة عليها ما لذَّ وطاب ويجلس حولها أشخاص عظماء لا يعرفهم ولكنَّه إستطاع أن يميّز ملكة عظيمة تلبس تاجاً رائعاً فتفرّس في وجهها ولدهشته الشديدة وجد أنّها الشغّالة , هنا لمعت عينيه وهو يفكّر في سعادة إن كان هذا هو مكان الشغالة لديّ فأين سيكون مكاني!!
وإذا بالملاك يتقدَّمه ويقول له سأحضر لك طبقك , فللأسف ليس لك كرسي ولكن خذ هذا الطبق.
ما هذا يا سيّد كسرة خبز!! لابد إنَّك غلطان ألا ترى أين تجلس الشغَّالة الَّتي تعمل عندي؟؟
قال له الملاك إهدأ يا صديقي ، فسأشرح لك كل شيء , لقد أعطاك الله الكثير والكثير جدًّا.
وأنت لم ترسل منه أي شيء للسماء سوى هذه الكسرة الَّتي ألقيتها لطفل صغير منذ ٥ سنوات عندما ألحَّ عليك أن تعطيه شيئاً ، هذا هو الشيء الوحيد الذي وصل السماء.
أمَّا هذه الشغّالة الَّتي تقول عنها فبرغم حالتها البسيطة كانت تعطي نصف ماهيتها للفقراء وتخدمهم بكلّ حبّ وتقتسم طعامها القليل مع جارتها الفقيرة ، لقد أرسلت قراطها الذّهبيّ للسماء وهو كل ما تملك لقد كانت.....( أتفضل يا سيدي القهوة ) , إستيقظ بطرس على صوت الشغّالة وتأمَّل في مظهرها البسيط , لقد سبقته لملكوت السماوات !!
قرَّر بطرس من لحظتها أن يصير بطرس آخر.
إنَّها قصة بطرس البخيل الَّذي مضى وباع كلّ ما له ووزّعه على الفقراء بعد هذه الرؤيا ولما لم يجد شيئاً آخر يبيعه باع نفسه عبد و تصدّق بثمنه للمحتاجين وقضى باقي عمره سعيداً إذ حوّل للسماء كل ما يملك وإستحق أن تدعوه الكنيسة القدّيس بطرس بل وتعيّد له الكنيسة القبطيّة في يوم ٢٥ طوبه.
فماذا حوَّلت للسماء يا صديقي؟؟
"أكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس و لا صدأ و حيث لا ينقب سارقون و لا يسرقون"