خلال حفل زفاف، شاهد أحد الحضور معلِّمه الَّذي كان يدرِّسه في المرحلة الإبتدائيَّة قبل نحو ٣٥ سنة.
أقبل الطالب بلهفة وإشتياق على معلِّمه بكلّ تقدير وإحترام، ثمّ قال له بشيء من الخجل والخزي :
هل تتذكَّرني يا أستاذي؟
فقال المعلِّم العجوز : لا يا بُنَيّ.
فقال الطَّالب بصوت خافت :
كيف لا؟...
فأنا ذلك التلميذ الَّذي سرق ساعة زميله في الصفّ، وبعد أن بدأ الطفل صاحب الساعة يبكي طلبتَ مِنَّا أن نقف جميعاً ليتمّ تفتيش جيوبنا.
أيقنتُ حينها أنَّ أمري سينفضح أمام التلاميذ والمعلِّمين وسأبقى موضع سخرية وستتحطَّم شخصِيَّتي إلى الأبد.
أمرتنا أن نقف صفًّا وأن نوجِّه وجوهنا للحائط وأن نغمض أعيننا تماماً.
أخذتَ تفتِّش جيوبنا وعندما جاء دوري في التفتيش سحبتَ الساعة من جيبي وواصلتَ التفتيش إلى أن فتَّشت آخر طالب.
وبعد أن أنتهيتَ طلبتَ مِنَّا الرجوع إلى مقاعدنا وأنا كنتُ مرتعباً من أنَّك ستفضحني أمام الجميع.
ثمّ أظهرتَ السَّاعة وأعطيتها للتلميذ لكنَّك لم تَذْكُر إسم الَّذي أخرجتها من جيبه!
وطوال سنوات الدراسة الإبتدائيَّة لم تحدِّثني أو تُعاتبني ولم تُحدِّث أحداً عنِّي وعن سرقتي للساعة.
ولذلك يا معلِّمي قرَّرتُ منذ ذك الحين ألَّا أسرق أيَّ شيءٍ مهما كان صغيراً.
فكيف لا تذكرني يا أستاذي وأنا تلميذك وقصَّتي مؤلمة ولا يمكن أن تنساها أو تنساني؟
طبطب المعلِّم على ظهر تلميذه وإبتسم قائلاً :
بالطبع أتذكَّر تلك الواقعة يا بُنَي... صحيح أنَّني تعمَّدتُ وقتها أن ُأفتِّشكم وأنتم مغمضي أعينكم كي لا ينفضح أمر السَّارق أمام زملائه... لكن ما لا تعلمه يا بُنَي هو أنَّني أنا أيضاً فتَّشتكم وأنا مغمض العينين ليكتمل الستر على من أخذ السَّاعة ولا يترسَّب في قلبي شيء ضدَّه.