يقدم يسوع نفسه كخادم وكقدوة يتبعها الاخرين.
ويظهر عن آلام، وموت وقيامة إبن الانسان التناقض الواضح مع مشهد إبني زبدى أي يوحنا و يعقوب، الذين يلاحقان أحلام المجد مع يسوع.
فطلبا منه ” امنحنا أن يجلس أحدنا عن يمينك، والآخر عن يسارك في مجدك”(مر 10، 37).
وإنّ جواب يسوع مباشر وسؤاله غير متوقع: ” إنكما لا تعلمان ما تسألان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سأشربها؟” (مر10، 38).
إنّ الاشارة واضحة: الكأس هي الآلام التي قبل بها يسوع لتحقيق مشيئة الآب.
خدمة الله والاخوة وتقدمة الذات هما منطق يطورهما الايمان الحقيقي في حياتنا اليومية وهما يتعارضان مع منطق القوّة والمجد الدنيوي.
ومن خلال بحث يوحنا ويعقوب، يظهر أنهما لا يفهمان منطق الحياة التي يشهد لها يسوع.
هذا المنطق الذي بحسب المعلم يجب أن يميّز روح وتصرفات تلاميذ يسوع.
هذا المنطق الخطأ لا يفكّر به فقط إبنا زبدى إذ بحسب الإنجيلي يفسد أيضًا “العشرة” البقية الذين “استاؤوا من يعقوب ويوحنا” (مر10، 41).
وقد إستاؤوا لأنّه من الصعب ترك منطق السلطة والمجد وإتباع منطق الانجيل.
ويعتبر القديس يوحنا الذهبي الفم إنّ جميع التلاميذ غير كاملين سواء يعقوب ويوحنا الذين يريدان التقدّم على البقية أو التلاميذ العشرة البقية الذين يشعرون بالغيرة.
وتعليقّا على المرجع المقابل من الإنجيل بحسب ما كتبه لوقا، يقول القديس كيرلس الاسكندري: “وقع التلاميذ في الضعف البشري وتناقشوا في ما بينهم عن هوية القائد المتفوّق على البقية.
هذا هو ما حدث وهذا الكلام مؤكّد. ما حدث للرسل هو بمثابة تشجيع على العيش بتواضع”.
وهذا ما يسمح ليسوع بالتواصل مع كلّ التلاميذ وبـ “دعوتهم اليه” وذلك ليقرّبهم اليه بغية تشكيل معه جسد واحد غير قابل للتجزئة ولتوضيح الطريق للوصول إلى المجد الحقيقي، مجد الله ” تعلمون أن الذين يعدون رؤساء الأمم يسودونها، وأن أكابرها يتسلطون عليها.
فليس الأمر فيكم كذلك.
بل من أراد أن يكون كبيرا فيكم، فليكن لكم خادما.
ومن أراد أن يكون الأول فيكم، فليكن لأجمعكم عبدا.” (مر10، 42-44).
فهناك دائمًا منطقان يتعارضان في كلّ وقت ومكان كالهيمنة والخدمة، والانانية والتفاني، والتملّك والتقدمة، والمصلحة والمجانية.
والمسار الذي اختاره يسوع واضح ولا يبرزه فقط بكلامه للتلاميذ خلال الزمان بل بطريقة عيشه.
فيفسّر قائلاً: ” لأن ابن الإنسان لم يأت ليُخدم، بل ليَخدم ويفدي بنفسه جماعة الناس” (مر10) وتصل هذه الكلمات إلى أعماق النفس وهي دعوة، ونداء، وقاعدة وتشجيع.
وحسب منطق الانجيل، إنّ إبن الانسان هو من يحصل على سلطة وسيادة من الله.
ويشرح يسوع مهمّته على الأرض عن طريق الاضافة إلى صورة إبن الانسان صورة الخادم المتألّم التي يصفها أشعيا (أشعيا53، 1-12).
فيحصل على السلطة والمجد فقط بكونه “خادمًا”.
ولكنّه خادم إلى حدّ الأخذ على عاتقه معاناة وخطيئة العالم بأجمعه.
ويتم إنجاز خدمته عبر الاخلاص الكامل والمسؤولية الكاملة تجاه الآخرين.
ولذلك إنّ القبول الحرّ بموته العنيف يصبح ثمن تحرير الكثيرين، ويصبح بداية وأساس خلاص كلّ إنسان والبشرية بأجمعها.
لتكن تقدمة المسيح ذاته على الصليب الاساس، والمحفّز، والقوّة لايمان يعمل في محبّة الغير.
لتكن مهمتنا في الكنيسة والعالم فقط «المسيح» ولتجاوب على منطقه لا على منطق العالم ولينورها الايمان ولتحييها محبّة الغير المنبعثة من صليب الرب الكريم.. آمــــــــــــين.
(البابا فرنسيس)
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/