كان أحد الكهنة الأتقياء، جالساً وحده ذات مساء بين المزروعات النضيرة، متفكِّراً في الله، معطياً له في قلبه المجد والتسبيح.
وبينما هو كذلك إذ وصل لأذنيه صوت صلاة، كان يرفعها شاب قرويّ راكع بقرب أعواد القصب النامية.
كان الشاب يقول :
"يا إلهي! أشكرك من كلّ قلبي! لن أنسى لك فضلك حين دعوتك وأنا مريض بداء عضال فشفيتني تماماً.. يا إلهي! كيف أكافئك؟! لست يارب محتاجاً إلى شيء! فأنت الكامل الغنيّ، ولو أنَّني وجدتُ مجالاً لردّ الجميل إليك، لقدَّمت لك بكلّ سرور كل ما أمتلك".
ولما أنهى الشاب صلاته، إستدعاه الكاهن وقال له :
"صحيح أنّ الله المغني ليس محتاجاً إلى عطايانا، ولكنَّك تستطيع أن تردّ إليه الجميل.. تعال وإتبعني".
وقاده الكاهن إلى كوخ تسكنه أسرة فقيرة.
الأب طريح على الفراش المرض والأم تبلّل خدّيها الدموع، والأولاد العرايا يتأوّهون جوعاً.
وقال الكاهن :
"هؤلاء هم إخوة الربّ ومن ينوبون عنه.. عن هذا الطريق يمكنك تقديم شكرك بطريقة عمليَّة !!"
هكذا علَّمنا الربّ فى كتابه المقدّس.
فأخذ الشاب يساعد بكلّ سخاء حتّى دعاه هؤلاء الفقراء :
(ملاك الله).
وإذ لقيه الأب الكاهن يوماً، تبسَّم وقال :
"هل عرفتَ الآن كيف تتصرَّف حين تشعر بنعمة الله عليك؟"
فأجاب :
"نعم، أحوِّلُ وجهي الشكور أوَّلاً نحو إلهي ،ثمّ أحوِّله بعد ذلك إلى بؤساء الأرض".