إستقلّ الرئيس سيّارته الخاصّة ومن حوله كانت سيّارات الحراسة.
لمح الرئيس رجلاً عجوز أعمى جالساً على جانب الطريق ، فأشار بيده فتوقّف الموكب ونزل الرئيس بهدوء ، أشار للحرس بالإبتعاد بينما إقترب وحيداً ناحيه الرجل العجوز ...
الرئيس : صباح الخير
الرجل : أهلاً وسهلاً
الرئيس : ما إسمك ؟
الرجل : أنا إسمي إبراهيم .. تفضّل وإشرب معي القهوة
وبالفعل جلس سيادة الرئيس بجوار عم إبراهيم ...
الرئيس ما بك يا عم إبراهيم ...؟ أأنت حزين؟
إبراهيم أنا مريض وفقير .. لست أملك النقود أشتري بها دواء لعيني .. ولم أعد أرى.
أشار الرئيس بيده ، وفي لمح البصر كان وزير الصحّة ومساعدوه يسرعون إلى أقرب مستشفى ويحضرون كميّة كبيرة من الدواء المطلوب.
- الرئيس : أولادك ماذا يفعلون ؟
إبراهيم : إبني الأكبر أنهى خدمته في الجيش وهو عاطل عن العمل.
أشار الرئيس بيده وفي ثواني جاء وزير الصناعة مع كبار المسؤولين ، وكتبوا قرار تعيين إبن عم إبراهيم في إحدى الشركات الكبرى.
الرئيس : عن إذنك يا عم إبراهيم وأي وقت تحتاج أي شيء إتصل بي.
إبراهيم ألف ألف شكر....... أنت لطيف جداً أنا أحببتك وأحببت الكلام معك.
وواصل الرئيس جولته في المدينة بينما إلتفّ الناس حول عم إبراهيم ....
- أنت محظوظ .. الرئيس بنفسه زارك ... نزل من سيّارته ومن عظمته وتواضع وجلس معك وتكلّم معك ... أخبرنا عنه .. نحن لا نعرفه كما عرفته أنت .. أنت تعرّفت عليه شخصياً أما نحن فلا نعرف أكثر من إسمه وصورته ومنظر الموكب والحرس من حوله.
- أجاب عم إبراهيم : أنا لست أفضل منكم .... كلّ ما في الأمر أنِّي قبلته عندما جاء إليَّ .. تعرَّفتُ عليه وتحدّثتُ معه وعرفته على حقيقته ... عرفت حبّه وحنانه ورقّته وتواضعه ... وكلّ هذا لم يغيّر كونه رئيس الجمهوريّة.
ولم تقلّ عظمته ومهابته ولكنّه زاد عليها أن أصبح صديقي الشخصيّ.
وقد نشرت الصحف هذه القصّة الَّتي كشفت عن محبّة الرئيس لشعبه.
عزيزي القارئ...
هذا ما فعله الله ... لقد وجدنا نعيش ببؤس وعمى لا نستطيع أن نصعد إليه فنزل هو إلينا وعرّفنا على حقيقته.
الله إتَّخذ جسداً وعاش بيننا وكشف لنا عن نفسه ، فتأكّد أنّه إله متواضع ورقيق وحنّان وهذا لم يقلّل من مهابته وعظمته ، بل زاد من حبّنا له ، وأصبحنا نتمتّع بالعشرة الحلوة معه كلّ يوم وقد تبنّانا وجعلنا أولاده الأحبّاء.
«كلّ الَّذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون بأسمه» [يو ١ :١٢].
هناك فرق شاسع بين أن نسمع عن شخص وبين أن نتعرّف عليه ونتحاور معه ، ونتعامل معه شخصياً ... لا يستطيع أحد أن يشرح لنا جمال وحلاوة عسل النحل ، ولكن لا بد للأنسان أن يتذوقه بنفسه.