ربّما تجد هذه القصّة غريبة بعض الشيء عن القصص الأخرى التي نكتبها وبالتأكيد ستكون أوّل مرّة تقرأها و لكنها حدثت وتحدث كلّ يوم ، فصدّقها.
ففي هذا الصباح وعندما كنتُ أسير وحدي على شاطئ البحر ، إصطدمتُ بشيء ، فوقعتُ على وجهي وعندما قمتُ ، كنت ألتفتُ إلى ما أوقعني فوجدتها قطعة من النحاس قد علاها الصدأ ، حفرتُ حولها وأخرجتُ بقيّتها ، فوجدتها مصباح نحاسي قديم وربّما هو مُلقى هنا منذ آلاف السنين فقط لأصطدم به.
دعكته وعلى وجهي إبتسامة وكأنّه مصباح علاء الدين الَّذي كانوا ينسجوا حوله القصص من مئات السنين و ..... وتلاشت من على وجهي الإبتسامة وحلّت محلّها نظرة رعب لهذا الجنّي الَّذي ظهر أمامي عاقداً ذراعيه فوق صدره قائلاً :
«شبّيك لبّيك»
لقد أعطاني خمسة أمنيات ليحقّقها ، فكانت الأولى ونتيجة لفيلم المصارع الَّذي شاهدته أوّل أمس أن أكون قائد المملكة الروماني على ألّا أموت في آخر الفيلم.
أمّا الثانية فإنعكست على الدراسة الصعبة الَّتي تواجهني في الكليّة فكانت أن أكون الطبيب الوحيد في العالم الَّذي يستطيع أن يصف كلّ طرق علاج الأمراض بما فيها مرض الجمرة الخبيثة ( الأنثراكس ).
هل تسألني عن الأمنية الثالثة ؟
لقد كانت أن أكون أوسم خلق الله أجمعين وأكثرهم جاذبيّة.
هل بدأت تملّ وتزهق ؟
الرابعة هي أن أكون لاعب كرة من طراز فريد يتراوح سعري مليار دولار.
وأمّا الأمنية الخامسة فكانت ولشغفي الشديد بالفضاء فكانت أن أكون أعظم رائد فضاء عرفَته البشريّة.
هل تسألني هل حقّق الجنّي هذه الأمنيات ؟
نعم والحق يقال ، لقد كان أفضل ما عرفته في حياتي ، فلقد جعلني ملكاً على الإمبراطوريّة الرومانيّة ، وفي الوقت الَّذي كنت أطوح بسيفي يميناً ويساراً ، فقد كنتِ أمارس هوايتي المفضّلة لمدّة ربع ساعة كلّ أسبوع ، أسجّل ٤ أهداف ثمّ أخرج.
أمّا عن الطب ، فقد كانوا يأتون إليَّ ليقولوا : هناك نوبة برد ، فأقول : شاي بليمون ، وماذا عن السكر ، فأجيب نعناع.
ولقد حقّق لي أعظم الأماني عندما أصبحتُ أوّل من وضع قدمه على المرّيخ ، ولولائي الوطنيّ رفعتُ علم بلادي على الأرض المرّيخيّة.
أمّا في موضوع الوسامة والجاذبيّة ، فإنَّ الشيء الوحيد الَّذي فشلتُ فيه هو تعداد المعجبات لأنّ الأفندية رجالي كانوا يخطئون في العد.
تحقّقت لي كلّ ما تمنّيت ، عشتُ حياتي بالطول والعرض ، لقد سارت على ما يرام ومرّت الأيام ومضت السنين ، والآن ها أنا على فراش الموت ، أموت ، أحتضر ، نعم إنّها النهاية ، نهاية كل كائن حيّ ، الموت ، حينما يعرف كلّ إنسان مستقبله النهائي ، حينما تنحصر كلّ ممتلكاته وكلّ ما معه في تابوت صغير ولوحة من الرخام كتب عليها : هنا يرقد فلان.
لقد كان شعوراً فظيعاً عندما أتت النهاية ، لقد كان الألم رهيباً في كلّ جسمي وكنتُ مصاب بصعوبة في التنفّس تجعلني ألهث وراء الهواء الَّذي أستنشقه ، وجدت نفسي أصرخ يا إلهي إرحمني من هذا العذاب ، خلّصني من هذا .... ما هذا ؟
يا إلهي ، إنّها أوّل مرّة أناديك ، أعيش حياتي كلّها بالطول والعرض كما أردت والآن أناديك وألجأ إليك ، ولكن ماذا يحدث ؟ إنِّي أموت ، نعم فأنا أشعر بروحي تفارق جسدي ، سأقول لك شيئاً في الثواني البقيّة .
عزيزي القارئ...
أنت تكرّر قصّتي عندما تعيش حياتك بالطول والعرض ناسياً إنّ الله هو إلهك ، خلاصك ، أبوك ، حبيبك ، تنساه وأنت تطلب منه الأماني الماديّة ناسياً كلمته :
"أطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه وهذه كلّها تزاد لكم".
تنساها عندما تنشغل بشهوات ماديّة تربطك بالعالم ، حاول أن تقوم من رقادك ، إستيقظ من غفوتك وأحلامك لتكون مستحقًّا سماع صوته الممتلئ فرحاً :
"تعالوا إليَّ يا مباركي أبي! رًثوا الملك المعدّ لكم من قبل إنشاء العالم ".
ولا تسمع هذه الجملة الَّتي أسمعها الآن وأخشى أن تسمعها أنت أيضاً :
"يا غبي ! هذه الليلة تطلب نفسك منك ، فهذه التي أعددتها لمن تكون"؟