لم أعرف كيف قادتني قدميَّ إلى الكنيسة فهذه أوّل مرّة أدخلها منذ شهور ، لكنّي أعرف لماذا ذهبتُ لأنّه مرّ عليَّ ١٥ يوم منذ سمعت ذلك الخبر المشؤوم ، خبر حادثة السيّارة الَّتي فقدتُ فيها أبي وأمي.
لقد كان وقع الخبر كالصاعقة عليَّ و توالت عليَّ النكبات ، فقد كانت أيّام إمتحانات ، فرسبتُ في الإمتحان ، وقد كنتُ أنتظر أن يشملني عمّي برحمته و عنايته ولكنّه نهب كلَّ أموالي وإستولى على شركة أبي و قال لي :
إنه سيعطيني المصروف الَّذي يحدّده هو و الَّذي يجده مناسباً و تعاطف معي زملائي وأصدقائي في الأيَّام الثلاثة الأولى حيث كان البيت لا يفرغ من المعزّين و لكن لأنَّها أيَّام إمتحانات فقد إنصرف الجميع عنّي و جلستُ وحيداً في المنزل أشعرُ أنَّ كلّ جدرانه حالكة السواد ، هل علمتَ الآن لماذا قادتني قدماي إلى الكنيسة ؟
و كان وقت دخولي هو وقت خدمة مدارس الأحد لفتيان إعدادي ، فجلستُ على مقربة من أحد الفصول.
و هناك وجدتُ الكاهن " بيتر " يكلّم أولاده عن محبّة الله :
"لا تخف لأني فديتك ، إذا إجتزت في المياه فأنا معك و في الأنهار فلا تغمرك ، إذا مشيت في النار فلا تلدغ واللهيب لا يحرقك".
نعم إنِّي أشعر فعلاً أنّ نار في داخلي تحرقني و لكن ها هو يقول لي :
"هوّذا على كفّي نقشتك"
ثمّ قال الكاهن بيتر للأولاد :
لقد كتبتُ لكم هذه الآيات و سأوزّعها عليكم ، يا ليت كلّ واحد فيكم يتأمّل فيها و وقعت كلماته في قلبي كالماء للأرض العطشانة و تمنّيتُ من أعماقي أن آخذ ورقة و لكن ربّما لأنَّ الكاهن بيتر أصغر منّي في السنّ ولأنّه يعلّم أولاد إعدادي ، فلم يهتمّ أحد بإعطائي الورقة.
كان من الممكن أن أطلب منه ورقة وبالتأكيد كان سيسعد بهذا ولكنِّي شعرتُ بإحباط رهيب وكأنَّ الله رفضني وكأنَّ الله بخل عليَّ حتّى بهذه الورقة.
فصرختُ في ضيق : إلى متى يا ربّ تنساني ، حتى متى تحجب وجهك عني؟
سالت الدموع من عينيَّ وقلتُ لنفسي ، ولماذا أعاتب ربّنا ، فقد نسيته طوال العشر سنين السابقة بعد ما كنتُ شمّاس ممتاز و .....
وتذكّرتُ الماضي القديم وتنهّدتُ.
وإذا بولد مشاكس من فتيان إعدادي يقول لأصدقائه سأعمل لكم صاروخ يخترق الغلاف الجوّي ثمّ طوى الورقة الَّتي أعطاها له الكاهن بيتر وعملها على شكل صاروخ موجّه للفضاء وقذفها لأعلى فنزلت علي صدري وإخترقت أعماق قلبي!!!
نعم إنّه صاروخ إخترق الغلاف الَّذي كنتُ أغلِّفُ به قلبي طيلة هذه السنين.
فقد كنتُ أذهب للكنيسة ولكن لا أدخلها ، أقف في الفناء لأتبادل مع أصدقائي بعض النكات والقفشات وعندما يدعوني الكاهن للخدمة ، أخاف أن أدخل لئلّا تخترق كلماته هذا الغلاف.
أخذتُ أقرأ الكلمات، وكأنّ يسوع يضع يديه على كلّ الجروح فتلتئم في لحظتها ، ها هو يقول لي :
"أنا الربّ إلهك الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك ... لا تخف لأنّي معك لا تتلفّت لأنّي إلهك ، قد أيَّدتك وأعنتك وعضدتك بيمين برّي... هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم إبن بطنها حتّى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك هوّذا على كفّي نقشتك".
ولا تتعجّب أنّ هذه الكلمات كانت بداية التحوّل الحقيقي في حياتي ، إنّ الربّ الحنون لم يشأ إهلاكي ، فهزّني هذه الهزّة العنيفة ثمّ عاد فطيّب جروحي ونجحتُ في السنة الَّتي تليها بتفوّق وكان عمّي قد ندم على ما فعله وتغيَّر وأصبح كريماً معي وأعطاني أكثر من حقّي وإعتبرني إبناً له والأهمّ من كلّ هذا فقد رجعتُ إلى حضن الآب.
"لأنّ كلمة الله حيّة و فعّالة و أمضى من كلّ سيف ذي حدّين"