جاءني عابسًا مغمومًا، وكأنّه يحمل على كتفيه جبالاً من الهموم، وتلالاً من المصاعب، وإرتمى على الكنبة متأفّفًا يلعن الدّنيا والتاريخ والحياة.
- ما بك يا صاحبي، ما بك يا إنسان؟ بالأمس القريب فقط، كانت ضحكاتك ترنّ وتملأ الفضاء، وكانت مشاريعك مُلوّنة، مزدهرة، تمشي على قدمين وتركض من نجاح إلى آخَر... ماذا جرى، أفِدني.
- وعينكَ ما زالت مشاريعي تضجّ وتزدهر، وما زال الدولار يهرول بمتعة نحو خزائني، لكن القضيّة لا تكمن هنا، إنّها تتعلّق بالنكهة والفحوى، بل قل كما تقول أنت دومًا : " الشَّبَع الداخليّ ".
فإنّني يا صاحبي أشعر بالفراغ، الفراغ الرّهيب، والذي حاولت جاهدًا أن أسكته وأملأه بمباهج الدُّنيا والحفلات الصّاخبة وأطايب الطّعام فازداد فراغًا واتساعًا!!!
إنّني أشعر في نفسي هوّة عظيمة، لا تشبع ولا تريد أن تشبع.
دُلّني على وصفة تُريحني، تسدُّ رمقي وجوعي وترفعني إلى فوق.... فوق المادّة وفوق المباهج الآنيّة وفوق الربيع المنحدر نحو الخريف.
دُلّني وقدني إلى الفرح الذي يملأ حياتك، وأنت لا تعرف البحبوحة كما أعرف، ولا تُكدّس الاموال كما أفعل!!!....
فإبتسمتُ إبتسامة خفيّة وقلتُ في نفسي :
لقد أتت السّاعة.
فلطالما تحدّثتُ معه وكان يقول :
"بعدين...مش وقتها.."
وتنهّدتُ وقلتُ :
إغسل عينيْك يا صاحبي كلّ يوم بالكلمة.
وطهّر شفتيك بالجمرة، وتنزّه يا إنسان كلّ يوم في ربوع الموعظة على الجبل، ورافق معلّم الأجيال في جولانه وجولاته ومحطات آلامه، وتنفّس بعمق من نُسيمات الإيمان وطلّ المحبّة، وإشرب ماءً سلسبيلا من ماء الحياة وكُل من على مائدة الربّ خبزَ الحياة، فتنام هادئًا، مطمئنًا يداعب الرّجاء أجفانك ويدغدغ الإيمان أحلامك...
إنها وصفة طبيّة من فوق يا صاحبي، من العلاء، من لدُن مَن أحبنا حتى المُنتهى.
فقمتُ إلى كتاب الحياة، وأمسكته برفق بعد أن طبعت على جبينه قبلة الشّكر والعرفان، ثمّ فتحت أوراقه وقرأت له الموعظة على الجبل؛ أروع ما خطّ قلم وأبدع أدب، وأجمل وأقدس ما إحتواه كتاب.
إنبهر صديقي وإستكان ثمّ ما لبث أن قال :
- إذن الزّاد هنا والماء الحيّ هنا والأهمّ الحياة هنا.... وأشار إلى كتاب الحياة؛ الكتاب المُقدّس.