في قُنٍّ صغير يقع بين الأعشاب الطريّة والأزهار الجميلة ، ويقبع في أطراف قرية وديعة هادئة ، عاش ديكٌ شابّ ، جميل العرف، عذب الصوت ؛ عاش عيشة هادئة وسعيدة بين مجموعة من الدّجاجات والصيصان.
وكان الدّيك الشّابّ مُغترًّا بنفسه، يتفاخر بقوته أمام زوجاته الدجاجات صُبحًا ومساءً فيقول :
"لولا صياحي العذب والقويّ في ساعات الفجر لَما أطلّ الصّباح على الدُّنيا ، ولَما عَلت الشمس في كَبِدِ السّماء ، ولظلّ البشر والشجر نيامًا ".
إستمرّ الدّيك الشّاب يعلو في كلّ فجر سقف القُنِّ صائحًا بصوته العذب حتى تستيقظ الحياة رويدًا رويدًا ، فيتململ الإنسان وتستفيق الشمس وتشرق من خلف الجبال والتلال.
ثُمّ ينزل الى القنّ نافشًا ريشه مُردّدًا قصيدته العصماء.
إلى أن جاءت ليلةٌ ، أحسّ فيها الدّيك المغرور بألمٍ شديد في حلقه، وإرتفاعٍ شديدٍ في درجة حرارته، فأخذ يئنّ من الألم وإرتمى على القشّ بدون حِراك.
بدأت الدجاجات – والقلق يظهر على وجوهها – تُصلّي لله أن يشفيَه ويعيدَ إليه صحّته وقوّته.
ولكن دون جدوى ، فالألم ظلّ ألمًا بل وإزداد حدّة وشِدّة.
لم ينم الديك تلك الليلة ، بل ظلّ يتقلّب في فراشه مُتوجّعًا ، إلى أن جاءت الساعة الأخيرة من الليل ؛ هذه الساعة التي كان من المفروض فيها أن يعلوَ سقف القنّ صائحًا.
حاول الدّيك أن يقوم ... وأن يخرج للعمل ؛ إلى الصياح ، ولكنّه لم يستطع ، فبكى وسحّت الدموع من عينيه وهو يتخيّل أنّ الشمس ستبقى خلف الأفق ، والأنسان سيبقى نائمًا والحياة غافية!!!.
فتح باب القُنّ بعد جهد جهيد ، وأخذ يراقب بحسرة الدنيا النائمة الغافية..
وكم كانت المُفاجأة كبيرة ، حين رأى بعد دقائق أنّ أشعّة الشمس أخذت تغزو السماء شيئًا فشيئًا ، وحين سمع زقزقة العصافير على الأغصان ، ورأى جاره الفلّاح يحرث حقله القريب ، بينما راح الراعي وهو يقود قطيعه يعزف على نايه ألحانًا شجيّة.
حزن الدّيك المغرور كثيرُا وإنكمش على نفسه وهو يرى زوجاته الدّجاجات ينظرن بدهشة تارةً إلى الحياة المستيقظة والناهضة ، وأخرى إليه.
فتحامل على نفسه ، وجرّ نفسه جرًّا ، وهو يخرج من القنّ والدموع تنزل من عينيه .... يخرج إلى غير رجعة.