بعد معجزة إقامة لعازر من بين الاموات عقد رؤساء الكهنة مع الفريسيين إجتماعاً حاسماً للحكم على يسوع فوجدوه مذنباً لا بل حكموا عليه بالموت لأسباب غريبة لم يحكم بموجبها على أي مجرم في العالم بالموت.
السبب الأول: يصنع المعجزات، لا بل الآيات الكثيرة التي لم يصنع مثلها أي بشر. وكل تلك المعجزات هي لخير الإنسان الضعيف والمريض والمسكين والخاطىء والمائت.
اعترفوا أن يسوع صانع المعجزات وواهب الحياة ولكن لم يؤمنوا به.
فما الشر الذي صنعه ليستحق حكم الموت؟! طبعاً ليس المعجزات بحد ذاتها ولكن خوفاً من نتائجها على دورهم ومركزهم وسلطتهم لا بل تسلطهم على الناس بقوة الناموس واستغلالهم البسطاء بحروف الشريعة.
السبب الثاني: يؤمن به الجميع، كما ظهر يوم دخوله إلى أورشليم على جحش ابن أتان وقبل ذلك يوم أطعم الجموع خبزا ويوم لحقوه الى الجبل ويوم تحلقوا حوله في كفرناحوم ويوم تجمهروا على البحيرة لسماع كلامه...خافوا أن تعلنه الجماهير ملكاً فيتلاشى حكمهم، والجماهير قد فعلت ذلك وأعلنته رباً ومسيحاً وملكاً على القلوب.
السبب الثالث: يأتي الرومان ويدمرون هيكلنا وأمتنا، وفي هذا قمة النفاق والخداع الذي يتقنه كل الحكام المستبدين على مر التاريخ، فالرومان كانوا يحتلون البلاد ويسيطرون على الهيكل قبل المسيح وفي زمن المسيح وبعده... فهم يقتلون الأبرياء بحجة العمالة للخارج، ويغتالون العقلاء بحجة الحفاظ على أمن الوطن، ويسجنون الأحرار بحجة الحفاظ على الحرية...
لكل هذه الأسباب أعلن قيافا رئيس الكهنة الحكم بالموت على يسوع معللا حكمه بنبؤة الفداء "موته خيرٌ من هلاك أمة بأسرها" طبعاً لم يكن يعلم قيافا أن الرب يحوّل أحكام الموت الى بذور حياة، ظنّ أن موت يسوع ينقذهم من الاندثار والزوال ولم يكن يعلم أن موته هو لحياة الناس والأمم أجمعين.
نبؤة قيافا هي نبؤة الصليب رغم أنه لم يقصد ذلك...
قرر قتل يسوع ليحفظ نفسه بينما موت يسوع حفظ حياة كل الأمم...
أراد قيافا الصليب ليسوع الثائر على تقاليدهم البالية فوهب الحياة لساكني القبور...
أراد قتل يسوع للتخلص منه، فكان موته بداية كل شيء...
لا زال قيافا يحكم بالموت على الأبرياء الى يومنا هذا، في بلادي ألوف وألوف الشهادات البطولية، من أبرار وأبرياء وأتقياء بذلوا الغالي والرخيص منذ ١٥٠٠ سنة ساروا درب الجلجلة، في كل بقعة من هذا الشرق، الذين يواجهون باللحم الحي مشروع إبادة لا يتحمله إلا من يحمل صليبه في كل يوم ويتبع يسوع...
كم من أيّوب صبر وانتصر في جبال لبنان؟ كم من أيوب لا زال يحتمل الجلد والصلب "والتعيير" والنبذ وشتى أنواع الاساءات والإهانات والذمية في الأحياء والأزقة والشوارع؟ كم مِن أيوب يفرش جسده على الارض مضرجاً بدماء الشهادة فقط لانه من أتباع الصليب، من أمة الصليب؟ كم من أيوب أقتلع من أرضه لأنه من أتباع المسيح؟ كم من أيوب قطعت أنفاسه ليربح قاتليه حوارٍ في جنةٍ موعودة في الآخرة؟...
لكن إرادة الحياة أقوى من الموت، إرادة الحياة قيامة مستمرة في كل زمان ومكان، هي أنشودة جميلة على لسان كل "أيوب" تمتلكه "روح" المسيح، كما تقول إحدى اللبنانيات الناجية من الموت في أنشودة انتصارها:… لقد رقصوا حول جثتي ونفخت الملائكة من جديد الحياة في داخلي لاستعادة حق الحياة من أجل الحياة. النصر ارتسم وانتصر على الالم، اجتزت كل تلك الطرقات الطويلة وانا انير الكون واضيء الوجود، وعندما تكمّشت يدي بيد الله آمنت بما انا عليه فانتصرت.
صوم مبارك
/الخوري كامل كامل/