في الظهور الثالث ليسوع على تلاميذه في بحيرة طبريا تجلّت قدرته على قيادة من يحب ومن أتى لتكون لهم الحياة ومن بذل نفسه من أجل خلاصهم.
يرسم لنا يوحنا مشهدين للقيادة، قيادة بشرية وقيادة إلهيّة.
في مشهد القيادة البشريّة نجد التلاميذ يتبعون بطرس إلى الصيد ولكنهم أمضوا الليل كله دون أن يصيبوا شيئاً.
عادوا وشباكهم فارغة وبطونهم فارغة وعقولهم فارغة.
مع بطرس عملوا حسب القدرات البشرية، لكن دون جدوى.
بالطبع هذا حال كل من يتبع بشراً لن يجد لنفسه سوى الخيبة، فالقائد البشري يعمل لذاته على حساب ذات الجماعة وكينونتها.يقودهم إلى الفراغ لا بل إلى الموت دون أن يُدركوا النهار، يجعلهم يشعرون أنهم غير ذي منفعة، ويُحمّلهم مسؤولية الفشل أما النجاح (الوهمي) فيجيّره لنفسه ويكتبه على صفحات التاريخ بدمائهم.
لكن في مشهد القيادة الالهية يتغير كل شيء لمصلحة الإنسان الجائع والخائب والمائت.
سألهم يسوع إن كانوا يملكون بعض السمك وهو يعلم أن أياديهم فارغة وشباكهم أيضاً وهم جائعون عملوا طوال الليل ولم يُدركوا الفجر.
لكن حين تدخل القائد الإلهي حلّ الفجر وكأن الإنسان يعيش ليلاً طويلاً في غربته عن الله ولا تشرق شمس نهاره إلا في حضوره.
أمرهم يسوع أن يُلقوا الشبكة على يمين السفينة فوجدوا سمكاً كثيراً.
لم يطلب منهم الذهاب بعيداً في وسط البحيرة، أو تغيير الشبكة أو تبديل السفينة.
ولم يلقي اللوم على أحدٍ منهم، أرشدهم إلى حيث الحياة والحياة على يمينهم لكنهم لم يُدركوها.
مع القائد البشري كلٌ يصطاد لنفسه، فتتضارب المصالح والرغبات ويفشل الجميع، لكن يسوع يوحّد الإنسان في ذاته ويجعله منسجماً مع نفسه ومتكاملاً مع الجماعة البشرية فينجح مع الكل.
القائد البشري يغتني هو فيما أتباعه يعيشون الفقر.
القائد الإلهي يُخلي ذاته من أجل أتباعه باذلاً نفسه حتى آخر نقطة دماءٍ من دمائه من أجل حياتهم.
القائد البشري يأكل لحم أتباعه ويشرب دماءهم، بينما القائد الإلهي يعطيهم جسده مأكلاً ودماءه مشرباً.
يعيش القائد البشري على حساب الرعية بينما تعيش الرعية على حساب القائد الإلهي.
يبقى الخيار للإنسان مع من يأتي؟! ولمن يسلم قيادة حياته؟!
«ونَحْنُ أَيْضًا نَأْتِي مَعَكَ» يا رب لأن يدك تحملنا وتحمينا، لأن يدك "كالت المياه وقاست السموات"(اشعيا ٤٠ / ١٢)...
لأن يدك "تجمع الحملان، تحملها قريبة من قلبك، وتقودها برفق"(اشعيا ٤٠/ ١١)
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/