نحن نعيش في عصر السرعة، والسرعة تعني إختصار المسافات والاوقات والأبعاد والمعرفة حتى الذكاء.
صنع الإنسان في الخمسين سنة الماضية ما عجز عنه منذ الخلق الأول، فالطائرة معجزة الهواء والسفن معجزة البحار والسيّارة معجزة البرّ والصاروخ معجزة الجوّ..
والكومبيوتر معجزة المعرفة وتخزينها وتحليلها والهواتف الذكية معجزة الإتصالات ونقل المعلومات بسرعة هائلة..
لا يمكن تجاهل ثورة المعرفة وما قدّمته للبشرية من خدمات مذهلة أثّرت وحرّكت وعالجت الكثير من مشاكل الناس وأصبحت الحياة أكثر سهولة وليونة ورفاهية من ذي قبل..
والآتي أعظم.. يتحدثون عن الذكاء الإصطناعي، هناك في مكان ما يعملون على خلق برامج وتطبيقات يقول الخبراء أنها تفوق الإنسان ذكاءً وهي أهم بكثير مما رأيناه واختبرناه وعايشناه حتى الان.
نحن كسائر الناس ننتظرُ ما سيكون عليه المستقبل لأن الأمر ليس بيدنا ولا بأمرنا ولا بمقدورنا بل هو بيد الشركات القابضة على مشروع الذكاء الإصطناعي!!
طبعاً سنعود إلى رسالة الأحد الخامس من زمن القيامة، تضعها الكنيسة أمامنا لنتأمل فيها في تذكار تسليم يسوع رعاية الكنيسة لبطرس.
بطرس كان سريعاً في تلبية دعوة يسوع له، ترك شباك الصيد على الشاطئ وتبعه دون سؤال.
وكان سريعاً عندما سأله أن يأمره أن يأتي إليه ماشياً على المياه، وكان سريعاً حين غرق وحين غطس في المياه لأنه عرياناً، وحين ألقى الشباك على يمين السفينة بعد ليل طويل من الصيد الفاشل..
وكان سريعاً حين رفض أن يغسل رجليه، ومن ثمّ خضع لإرادة يسوع.. وكان سريعاً حين رفض مبدأ الموت على الصليب وحين استلّ سيفه وقطع أذن الخادم وحين أعاد السيف إلى غمده..
كان سريعاً حين أنكر يسوع ثلاث مرات وحين أجهش في البكاء واختبأ في العليّة وكان سريعاً حين تقبّل نعمة الروح القدس وخاطب اليهود دون خوف داعياً إيّاهم إلى التوبة والمعمودية..
بطرس كان سريعاً في التحوّل من حالة إلى أخرى لأنه استفاد من حضور يسوع في حياته وحلول الروح القدس عليه؟
هل استفدنا نحن من التحولات السريعة في عالم التكنولوجيا؟ هل نستخدم التطبيقات الحديثة خدمةً لقضايا الإنسانية؟ هل استفدنا من سرعة إنتقال المعرفة واختصار المكان والزمان والأبعاد والمادة في تطوير الذات البشرية وأنسنة العالم وجعله خليقة جديدة فيه السلام أولوية والحب أولوية واحترام الحياة أولوية وحقوق الانسان أولوية؟ طبعاً لا مجال للمقارنة بين يسوع وأي شيء آخر في العالم، ليس هذا هدفي ولا ما أسعى إليه.
بكل بساطة أسعى لفهم وجود يسوع في حياتي وحياة البشر، لأن الانتماء إليه ليس سهلاً بل خلقاً جديداً :
"إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (٢ قور ٥/ ١٧)..
كل خلق يقابله موت، غيّرت التكنولوجيا بشكل سريع حياة الانسان، ألغت السيارة وسائل النقل التقليدية، والهواتف الذكية وسائل التواصل التقليدية والكهرباء وسائل الإنارة التقليدية وسيلغي الذكاء الاصطناعي وسائل الذكاء القديمة...
لا بدّ أن يغيّر يسوع إنساننا القديم وإلا يكون إيماننا باطل وتبشيرنا باطل ونكون أتعس الناس، كالذي يتمرجح بين الماضي والمستقبل بين التقليد والتحديث بين الظلمة والنور بين الحياة والموت، لا نعيش هنا ولا نحيا هناك.. نتحد بموت المسيح ولا نعيش مفاعيل القيامة، نتحد بمياه المعمودية ولا نعيش مفاعيلها، نتحد بطقوس سرّ الزواج ولا نعيش جوهره، نتحد بطقوس الذبيحة الإلهية ولا نتبنى مفاعيل النعمة، نعشق الكنيسة ونرفض تعاليمها، نحمل إسم المسيح ونرفض سلوكه!!
لا يمكننا الدخول في عصر المسيح ولا زلنا نستخدم آليات فعل وردة فعل قديمة "وأَنْتُم، فقَدْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِزَلاَّتِكُم وخَطَايَاكُم، الَّتي سَلَكْتُم فيهَا مِنْ قَبْلُ بِحَسَبِ إِلهِ هذَا العَالَم، بِحَسَبِ رَئِيسِ سُلْطَانِ الجَوّ، أَي الرُّوحِ الَّذي يَعْمَلُ الآنَ في أَبْنَاءِ العُصْيَان".
لا أحد ينتقل الآن على الحصان والسيارة موجودة ولا أحد يسافر على مركبٍ صغير إلى القارات البعيدة والطائرة موجودة ولا أحد يتواصل مع الآخرين بالصراخ أو إشعال النار أو الحمام الزاجل وآلات الهواتف الخليوية تملأ الأرض..
كيف نتبع يسوع ولا زلنا نعيش شهوات الجسد؟ ونعمل بحسب رغباته وأفكاره؟ وإذا كنّا خرجنا من جرن المعمودية أبناءً لله بالتبني وأخوة يسوع وهياكل الروح القدس كيف نكون في الواقع "أَولادَ الغَضَبِ كَالبَاقِين"؟!! إذا كنّا إكتشفنا الله "وهُوَ الغنِيُّ بِرَحْمَتِهِ" واختبرنا في الحقيقة "كَثْرَةِ مَحَبَّتِهِ الَّتي أَحَبَّنَا بِهَا" فهل نبقى "أَمْوَاتًا بِزَلاَّتِنَا"؟!!
وإذا كنّا نحن المائتين قد "أَحْيَانَا المَسِيح وبِالنِّعْمَةِ خلّصنا" لماذا لا زلنا نجالس سكّان القبور ؟! والله "أَقَامَنَا وَأَجْلَسَنَا في السَّمَاوَاتِ في المَسِيحِ يَسُوع"... لماذا نصنع الشرّ ونخضع لسلطانه وقَدْ "خُلِقْنَا في المَسِيحِ يَسُوعَ لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَة، الَّتي سَبَقَ اللهُ فأَعَدَّهَا لِكَي نَسْلُكَ فيهَا"؟!!
فإذا كنّا بالنعمة نحن "مخلّصون" لنتحوّل الآن وبسرعةٍ ونسلك حسب مقاييس"قلب يسوع" حسب رغبته المليئة بالحبّ "لِيُظْهِرَ في الأَجْيَالِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الفَائِقَة، بِلُطْفِهِ لَنَا في المَسِيحِ يَسُوع".
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/