يكشف بولس سرًا لأهل روما طالما كان بالنسبة لهم أمراً غير منطقي. والسرّ في تدبير الله ليس أمراً غير منطقي ولكن أبعد من تفكير البشر وحساباتهم وقواعدهم وانتظاراتهم.
في تدبير الله قد تكون الخسارة الان مربحة في المستقبل، والفقر الان بحبوحة فيما بعد، والجحود الان إيماناً في المستقبل والموت الان قيامة بعد ثلاثة أيام.
والسرّ هو عمل الله وعمل الانسان معاً، الله يبادر والإنسان يرفض بسبب جهله وعدم معرفته ومن ثم يتحول الرفض والجحود الى فعل إيمان.. يشرح بولس كيف أن الله قبل اليهود ورفض الأمم، ثم قبل الأمم ورفض اليهود، ثم يقبل اليهود أخيرًا!!
فالسرّ الذي يشرحه بولس هو "أَنَّ التَّصَلُّبَ أَصَابَ قِسْمًا مِنْ بَني إِسْرَائِيل، إِلَى أَنْ يُؤْمِنَ الأُمَمُ بِأَكْمَلِهِم" وهذه حكمة الله التي تسمو على الحكمة البشرية.
لذلك لا نحكم على أي إنسان ولا نُدين أحداً ولا نيأس أثناء التجربة، فلنفكر في حكمة الله ولنحاول أن نهدأ ونصلي وننتظر جلاء الصورة بعد مدة من الزمن.
لا يستطيع العقل البشري إحتواء أسرار الكون، كما أن العين لا ترى كل الالوان والأذن لا تسمع كل الاصوات، فحكمة الله أبعد من كل إدراك بشري.. من يستطيع أن يفهم بحكمته أن اليهود "مِنْ جِهَةِ الإِنْجِيلِ أَعْدَاءٌ مِنْ أَجْلِكُم، أَمَّا مِنْ جِهَةِ ٱخْتِيَارِ الله، فَهُم أَحِبَّاءُ مِنْ أَجْلِ الآبَاء".
لماذا يسمح الله بالتجربة؟ لماذا الفقر؟ لماذا المرض؟ لماذا الموت؟!
لا يمكننا نحن البشر، رغم كل إنجازاتنا، أن نفهم تدبير الله، تفكيرنا يخضع لقوانين المادة ومنطقها أما تفكير الرب فهو فوق إدراك أي إنسان.
عندما لاحظ يسوع أن بطرس لا يفهم ولا يستوعب ما يراه قال له:
"لست تفهم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد"
(يوحنا ١٣/ ٧).
لنعترف بضعفنا ومحدوديتنا لأن "أفكار الله تعلو عن أفكارنا" (أشعيا ٥٥ / ٨) يصعب علينا أن نفهم أحكامه وتدبيره فكيف يُسَيِّر الأحداث ويوجهها ليحقق الخلاص للبشر؟!!.
مع الرب يتحول الصخر الى غدران والجفاف الى عيون مياه والشك الى إيمان واليأس الى رجاء والموت الى حياة (القديس فرنسيس).
مع الرب يتحول العصيان والرفض الى رحمة وخلاص "فكَمَا عَصَيْتُمُ اللهَ أَنْتُم في مَا مَضَى، وَرُحِمْتُمُ الآنَ مِنْ جَرَّاءِ عُصْيَانِهِم، كَذلِكَ هُمُ الآنَ عَصَوا اللهَ مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكُم، لِكَي يُرْحَمُوا الآنَ هُم أَيْضًا"
مدهشٌ حقاً عمل الرب، وعجيبٌ تدبيره
"فَيَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ ومَعْرِفَتِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الإِدْرَاك، وطُرُقَهُ عَنِ الٱسْتِقصَاء!فَمَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبّ؟ أَو مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟
أَو مَنْ أَقْرَضَهُ شَيْئًا فَيَرُدَّهُ اللهُ إِلَيْه؟
لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ مِنْهُ وَبِهِ وَإِلَيْه. لَهُ المَجْدُ إِلى الدُّهُور". آميـــــــن.
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/