أبدأ مسيرة صومي الكبير هذه السنة متضامناً مع جياع وطني، متذكراً أنهم مسبيين من قبل أعداء لهم نصّبوا أنفسهم حكاما على قطع أرزاقهم، على قتل أحلامهم، على دفن مستقبلهم، على تحطيم معنوياتهم وإذلالهم في كرامتهم حتى الصميم.
أذكر أني من تراب هذا الوطن في الوطن والمهجر، وأذكر أني سأعود إليه أيضاً في الوطن والمهجر...
حيث تراب وطني منثورٌ في الأوطان البعيدة هناك تبدأ وتنتهي طريق العودة إلى الذات القوية التي استوطنها حب وتضحية وغفران، لذلك سأصوم عن كل مهاجر لم يجلس بالامس على طاولة المرفع مع أهله ولم يشرب نخب العائلة ولم يتذوّق أطايب والدته ولم يسمع كلمة تهنئة وتمنيات الصوم والعيد وجمال اللقاء...
سأصوم مع موسى النبي أربعين يوماً على جبل لبنان علّه يأتي مرّة ثانية ويُخرج شعبي وأمتي وبلدي من عبودية فراعنة العصر، يُخرجنا جميعاً من بحر القصب هذا، من إثمٍ لم نرتكبه، من أزمة لم نفتعلها، من سجنٍ لا نستحقه، من موت لا نريده لأننا أبناء القيامة أبناء الحياة...
سأسير مع إيليا النبي إلى جبل حوريب صائماً وطائعاً دون إعلامٍ أو إعلان متحدياً أكثرية المصفقين الخاضعين لملوكٍ وزوجات ملوك صادروا إرث أجداد كل مظلوم أمثال نابوت اليزرعيلي...
سأسير مع يونان الى مدينتي، إلى ذاتي منادياً بصومٍ لابساً مسوح التوبة، في أزقتها الضيقة، في شوارعها الملوثة، في بيوتها الباردة، في متاجر الغلاء المعيشي والاستقواء بالعملات الأجنبية على حساب الضعيف والفقير صاحب الدخل المحدود خدمة لصاحب المعالي والسعادة والدولة والفخامة...
أصوم رافعاً صلاتي الملحّة والمتواصلة مع البقية الباقية المغلوب على أمرها، في أيام شدّتها، أصرخ معها وأتضرع من أجلها وأبكي جرحها ليس من أجل إذلال للنفس أكرهه ولا من أجل تعذيبٍ للذات أمقته بل مدخلاً الى فرحٍ ننتظره من السماء كفرح القيامة...
أختار صوماً "لحلّ قيود الشر. فك عقد النير واطلاق المسحوقين احرارا وقطع كل نير" غير متفاخر بصومي، بل أدهن رأسي وأغسل وجهي “لكي لا أظهر للناس صائما بل لأبي الذي في الخفاء” (متى ٦: ١٨).
أختار صوماً ترافقه الصلاة، لأني أعلم أن هذا الجنس من الحكّام الفاسدين “لا يخرج الا بالصلاة والصوم” (متى ١٧: ٢١)
صوم مبارك
/الخوري كامل كامل/