مررت يوماً بذاك الجريح في مكانٍ ما، ملقى على الأرض، معرّى من كرامته، معتدى عليه، مسلوب الإرادة، متروكاً للقدر... فتركته يلاقي الموت في ساعة تخلّيت فيها عن تلك الحياة، خوفاً منّي أَنِّي قد أورط نفسي بالمحاكم...
وجدت ما أعلل به سبب هروبي...
لكن بعد حينٍ نزفت على الطّريق زيت الرحمة والحنان، فما بقي منه قطرة أطيّب بها نفسي وأطهر جرحي بخمر الحب المجاني...
نسيت أن الجريح هو أنا، هو نحن، هو "كلنا" وليس البعض منا...
ظننت أني تخلصت منه ومن ثقل منظره... ظننت أَنِّي سأصل سريعاً إلى فردوسي، إلى أورشليم خاصتي...
لكني بقيت في أريحا، في قلب العالم، بدل وصولي إلى جنتي حيث ما أريد !!!...
في تلك اللحظة كنت بين اللصوص، لا بل كنت واحداً منهم، شاركتهم بالتعدي على الإنسان حين عبرت عنه تحت الجسر، سرقت منه ثيابه لأني كنت أشعر بالدفء وهو يئنّ من البرد، سرقت منه طعامه، لإني كنت متخماً وهو يتضوّر جوعاً، سرقت منه الصحة لأنه كان عليلًا وأنا بأفضل حال...
في تلك اللحظة، عصفت السماء، وزمجرت الرياح ونزل من فوق، من بعيد سيلٌ جارف، خفتُ على كنيستي لأن أبوابها مفتوحة، فحملت ناموسي، وقرعت الناقوس وأغلقت الأبواب... دخلت مطمئناً إلى قدس الأقداس، مسحت بمنديل وجهي الذي ابتلّ بالمطر، فزال قناعي وبدا وجهي الحقيقي، وجه الكاهن الذي عبر عن ذاك الجريح...
قلت سأصلّح ما إرتكبته من حماقة، فأكثرت من كلمات الإستنكار والتنظير الإنساني... وعندما هدأت العاصفة تفقدته، فلم أَجِد سوى ورقة عتيقة من أوراق إستنكاري، مكتوبٌ عليها بحبرٍ أحمرٍ أشبه بالدم:
"أنا لا أشفى بالبيانات والكلمات...!!"
ساعتئذٍ قررت أن أكون سامرياً صالحاً، لا أتهرب من مسؤوليةٍ مهما كانت، لا أشعر بالعجز أو الإحباط أو الفراغ... هكذا قررت لكني تراجعت عند أول إمتحانٍ تحت أول جسرٍ عندما إلتقيت بأول جريح ...
نسيت أني لا أستطيع أن أكون سامرياً صالحاً ما لم أنل تلك النعمة من فيض نِعم الرب، وتلك الرحمة من فيض رحمته، وتلك المحبة من فيض حبه... فرفعت عينيّ إلى السماء وسألت الرب أن أكون سامرياً صالحاً...
نهار مبارك
/الخوري كامل كامل/