أنكر بطرس يسوع ثلاث مرات لأنه لم يكن بعد مستعداً للحب، لم يكن مستعداً للتخلي عن ذاته، لم يشلح عنه ثوب العالم وما يمثله من عقلية متحجرة وقناعات عفنة ومظاهر فارغة ومصالح خبيثة!!!
لكن عندما فهم أن الحب هو بذلٌ كاملٌ للنفس وعطاء غير محدود للذات وتضحية مستدامة في سبيل خلاص النفوس، أعلن قراره بشكلٍ حاسم لا عودة عنه أنه سيحب الرب حتى الصليب، تعويضاً عن قلة وفائه ساعة الشدة وإنكاره ساعة الحقيقة.خاف بطرس من الصليب فأنكر معرفته بالمسيح، وكأنه يهرب من المسؤولية ويتخلى عن دور الراعي ساعة ينقض الذئب على القطيع، لأنه كان يبحث عن ضمانات مادية لمستقبله لم يجدها عند يسوع، فكان مكبلا بروح العالم وممتلئا بأهوائه. يقول بطرس في بداية خدمته أن :
"الرَّب أَرسَلَ مَلاكَه فأَنقَذَه مِن يَدِ هِيرودُس"
(أع ١٢، ١١)
بينما كان في السجن مشدودًا بالسلاسل، سمع صوت ملاك يقول له :
"قُم على عَجَل...أُشدُد وَسَطَكَ بِالزُّنّار، وَاربِط نَعلَيكَ...إِلبَس رِداءَكَ وَاتبَعني"
(أع ١٢، ٧-٨).
وسقطت السلاسل وفُتح باب السجن وحده.
أيقن بطرس أن الرب قد "أنقذه من يد هيرودس" وأدرك بأن الله قد حرره من الخوف والسلاسل.
نعم، الرب يحررنا من كل خوف ومن كل سلسلة، لكي نُصبح أحرارًا حقًّا.
هذه هي مشكلة الخوف والملاجئ الراعوية بالنسبة لنا.
ونحن هل نخاف؟ ماذا يخيفنا؟ وإن كنا نخاف، ما هي الملاجئ التي نبحث عنها في حياتنا الراعوية لنكون بأمان؟ هل نبحث ربما عن دعم الذين يتمتعون بسلطة هذا العالم؟ أم نسمح أن يخدعنا الكبرياء الذي يبحث عن إرضاء الذات والإشادات وعندها يبدو لنا بأننا بأمان؟ أين نضع أماننا؟ هكذا يسأل البابا فرنسيس أساقفة الكنيسة في عظته لمناسبة عيد القديسين بطرس وبولس سنة ٢٠١٤.
تذكرنا شهادة بطرس الرسول بأن ملجأنا الوحيد هو الثقة بالله: فهي تبعد عنا كلّ خوف وتجعلنا أحرارًا من كل عبوديّة وكل تجربة دنيويّة. .
استعاد بطرس ثقته عندما قال له يسوع ثلاث مرّات : "ارع خرافي" (يو ٢١، ١٥. ١٦. ١٧).
وفي الوقت عينه، إعترف سمعان ثلاث مرّات بحبه ليسوع مصلحًا بذلك النكران المثلّث الذي حصل خلال الآلام.
فبطرس لا يزال يشعر بداخله بحرقة جرح خيبة الأمل التي سببها لربّه في ليلة الخيانة، لكن بطرس لم يتكل على نفسه أو على قواه بل على يسوع ورحمته.
أقام يسوع مع بطرس عهد حب، فأصبح هو الصخرة التي ستبنى عليها الكنيسة، ولان أساس الكنيسة هو صخرة الحب فقوات الجحيم لن تقوى عليها.. لأن الحب أبقى من أي شيء في الوجود، وأقوى شيء في الوجود، لا بل هو أقوى من الموت..
سلَّم يسوع سمعان بطرس قيادة الكنيسة، ليصبح البابا الأول والأسقف الأول على كرسي روما، فسلمه بذلك قيادة الحب في العالم الذي يتجلى في سر القربان، ويستمر في التقرب من الله والنَّاس مهما كانت الظروف حتى نهاية العالم...(قربان مثنى قرب: قرب من الله وقرب من الانسان).
أعطنا يا رب إيمان ومحبة بطرس، أعطنا أن نحبك أكثر من ذاتنا، أكثر من مصالحنا، أكثر من شهواتنا، أكثر من ملذاتنا..
أعطنا يا رب أن نحبك في العالم ومن أجل العالم، أعطنا أن نحب من أوكلتنا رعايتهم، في العائلة.. في العمل.. في السلطة والمسؤولية على القليل أو الكثير، لنسمع منك مكافأة كل منَّا:
"أمنتك على القليل، فكن أميناً على الكثير، أدخل فرح سيدك". آمــــــــــــين.
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/