قصّ عليّ أحد رجال الأعمال في كاليفورنيا واحدة من أعجب القصص التي سمعتها على الإطلاق، وكانت الدموع تنهمر من عينيه، وأحيانًا كاد يختنق صوته من شدة التأثر.
لقد أصيبت إبنة ذلك الرجل في حادث سيارة ممّا أدى إلى تلف شديد بالمخ، وبالرغم من الصلوات العديدة التي رُفِعَت من أجلها إلاّ أنّ حالتها كانت تزداد سوءاً، وفي النهاية وضعت في مؤسسة خاصة للمرضى العقليين والذين أصبحت حالتهم ميئوس منها ويعتبرون خطرين فقد يقوموا بأعمال مؤذية جداً من غير إدراك، فأصبح منزلها عبارة عن زنزانة من الحديد لا مفر منه ولا نهاية...
كان مرضى ذلك العنبر منعزلين تماماً عن الواقع وقلما كان الأقارب يقومون بزيارتهم.
كان بعض المرضى قد جرحوا أجسادهم بسبب عنفهم، والبعض الآخر كان يجلس محملقاً في لا شيء بعيون فارغة تدل على أنّ عقولهم أضحت خالية من كل معرفة.
مرّت سبع سنوات على تلك الفتاة حتى لم يعد هناك أي أمل في شفائها، ومن ثم بدأ إيمان ذلك الرجل يهتزّ وينهار.
في إحدى المراّت وفي زيارة له لتلك المؤسسة بدأ الرجل يجادل الله هكذا :
"كيف تكون أنت إله المحبة؟ لو كانت لي قوّة لما سمحت أبداً بأن يحدث مثل هذا لإبنتي... ثم... أنك تستطيع شفاءها... لكنك لم تفعل، ألا تحب الناس كما أحبهم أنا؟ إني أشك في ذلك ة
وبدت مشاعر الغضب في نفسه ضد الله.
وهنا أتاه صوت الله وقال له :
يجب أن تقدّم الشكر لي لأن إبنتك لم تزل على قيد الحياة، ولأنها موجودة حيث هي الآن...
كلا ! إني أفضّل أن أموت ولا أفعل ذلك! وليس من حقّك أن تطلب مني تقديم الشكر لك... بينما لم تقم أنت بواجبك نحو البشر لإظهار حبك لهم!...
وهكذا كان يحاجج الله ويعاتبه... مع أنه كان قد إستمع إلى الكثير من الكاسيتات عن تقديم الشكر للّه من أجل كل شيء، وقد تأثر بهم جداً... لكن الأمر لم يصل به إلى درجة الممارسة العملية للشكر...
إلاّ أنّ الصوت إستمرّ يقول له : ينبغي أن تشكر لأن إبنتك مقيمة حيث هي الآن بالضبط...
إني لا أستطيع حتى إذا حاولت ذلك، ولن أحاول لأني لا أصدّق ذلك...
ولكن الروح القدس بدأ يذيب قلب الرجل وهو في طريقه إلى المؤسسة، وعندئذ قال للرب :
سوف أحاول ولكنني لست أدري إن كان لي المقدرة على ذلك، فأنا أشكّ أني سوف أقدّم لك شكري...
وصل ذلك الأب إلى المؤسسة حيث إبنته، وقام بالإجراءات اللازمة للدخول إلى المكان المخصص، إذ كان كل المرضى تحت الحفظ، حتى أنه كان يتعجّب أحياناً عن سبب مجيئه طالما أنّ إبنته لم تكن تتعرّف عليه!
إنتظر الرجل في الغرفة التي كانت تفصل بينه وبين العنبر حيث توجد الإبنة ولم يبقى سوى باب حديدي واحد لا بدّ أن يفتح، وهناك سمع صوت الله مرة أخرى يكرّر عليه الكلام السابق...
فذاب قلبه في تلك اللحظة وتخلى عن قساوته وعناده، وتغير القلب الحجري الذي إمتلأ غضباً وشكاً وحلّ مكانه قلب مفعم بالشكر والإمتنان للّه، إختنق الكلام في حلقه... لكنه تمتم في إستسلام وقال :
"يا رب، إني أشكرك لأن إبنتي هنا حيث هي، إني أحبها جداً... لكني أعلم أيضاً أنك تحبها أكثر مني".
وفي تلك اللحظة سمع صرخة عالية كانت مألوفة لديه تقول : أريد بابا ... أرجوكم أريد بابا...
فتح المسؤول الباب... وركض الأب نحو إبنته التي إحتضنته بذراعيها من خلال القضبان الحديدية، بينما إستمرت دموع الفرح تنهمر من عيون الممرضات والحراس الذين إلتفّوا حول المشهد... لقد صارت الإبنة في صحة تامة وتركت ذلك المكان بشهادة كل الأطباء المسؤولين هناك، ولا تزال تتمتّع بصحّة جيدة...
فما أحوجنا أن نشكر في كل حين وعلى كل شيء...
"اشكري لله نعمته عليكِ، وباركي إله الدهور. حتى يعود فَيُشَيِّدَ مَسكنهُ فيكِ، ويَرُدَّ إليكِ جميع أهل الجلاء، وتبتهجي إلى دهر الدهور" (سفر طوبيا ١٣: ١٢)
#خبريّة وعبرة
/خدّام الرب/