ولد يوحنا في مدينة أنطاكية ونشأ في أسرةٍ وثنية شريفة.
كان أبوه قائداً في الجيش الروماني، وأمَّهّ أنثوسا قد ترملت وهي في ريعان الصِّبا.
وكانت قد تنصَّرت فعنيت بتربية طفلها ووحيدها، تربية عالية.
فتعمّق في درس فلسفة الإنجيل وتعاليمه السامية.
رسمه البطريرك ملاتيوس شماساً إنجلياً.
وبعد وفاة والدته، هجر العالم وإعتزل للصلاة والتأمل والشغل اليدوي، وتأليف الكتب العديدة، إلى أن إستدعاه البطريرك فلافيانوس، ورسمه كاهناً وسلَّمه منبر الوعظ في الكنيسة.
فإندفع يعظ ببلاغة عجيبة حتى أدهش السامعين فلُقَّب "بالذهبي الفم".
وكانت مواعظه مشبَّعة بروح الحكمة الإلهيّة وشرح الكتب المقدسة، ولا سيما رسائل مار بولس.
وعلى أثر وفاة بطريرك القسطنطينية أجمع البلاط الملكي والشعب على إنتخابه بطريركاً.
فإستقبلته القسطنطينية بأبهى مظاهر الحفاوة.
وكان يُعنى بالطقوس والترانيم البيعية، وإليه ينسب النافور المعروف بإسمه وتستعمله الكنيسة الشرقية.
وقد خصَّ الفقراء، بعنايته الأبويّة : فأنشأ لهم الملاجيء والمياتم من أموال الوقف وممَّا يوفَّره بإقتصاده وعيشته الفقريّة.
ولم ينفكّ عن الوعظ والتأليف، ومكافحة البدعة الآريوسية.
ولم يكن يهاب أحداً في إحقاق الحق ونصرة المظلوم.
ولمّا إغتصبت الملكة أفدوكيا كرماً لأرملة، منعها من دخول الكنيسة فغضبت وتآمرت هي وتاوافليوس بطريرك الإسكندريّة، خصم يوحنا، على تنفيذ مآربها.
فعقد هذا مع بعض الأساقفة مجمعاً وقرَّروا عزل يوحنا عن كرسيه وإبعاده عن البلاد.
ولمَّا درى الشعب بذلك الحكم الجائر، هجم على القصر وكاد يفتك بمن فيه، وحدثت زلزلةٌ فخافت الملكة وقامت تكتب إلى البطريرك القديس، ترجوه بالدموع، أن يعود إلى كرسيه، وتعتذر عمّا جرى بحقه.
فعاد بين أهازيج الشعب، وهدأت الزوبعة.
ولمَّا نُصب تمثال الملكة في ساحة الكنيسة، أخذ الرعاع يقيمون حوله ألعاباً مخلّة بالآداب، إنهال عليهم بالتقريع الشديد ومنعهم عن مثل تلك الألعاب.
فإستشاطت أفدوكيا غيظاً، وإستصدرت أمراً من الملك، بإبعاد القديس ثانية.
وكان الجند يذيقونه من الإهانات والعذابات ألواناً، وهو صابر.
وقد خارت قواه، وشعر بدنو أجله.
وفي اليوم التالي ١٤ أيلول، عيد الصليب، لفظ هذه الكلمات :"ليكن الله ممجَّداً في كل شيء". وأسلم الروح سنة ٤٠٧.
وله تآليف قيّمة كثيرة ومواغظ خالدة ورسائل عديدة، منها رسالته من منفاه إلى القديس مارون الناسك وهي تفيض بعواطف محبته وولائه.
صلاته معنا. آميـــــــن.