بصوت الخوري جان بيار الخوري :
وُلد نيكون في نابولي بايطاليا.
وكان أبوه وثنياً، وأمه مسيحية.
وكان مترقياً في الجندية في ايام داكيوس قيصر.
وكان يوماً في حرب وقد هاجمه الاعداء، فكاد ينهزم أمامهم.
فرسم اشارة الصليب على وجهه، وهتف من أعماق قلبه:" يا سيدي يسوع المسيح، اله أمي أعِنّي!" ووثب على الاعداء وأعمل فيهم السيف.
فانتصر عليهم وبدد شملهم، فتعجب الناظرون من شجاعته وفوزه بالنصر.
وجاء يخبر أمه بمَا جرى. ففرحت به وعانقته وشدّدته في ايمانه.
ثم ترك العالم وسار الى القسطنطينية.
وأتى جزيرة سامس حيث اعتزل في جبل هناك، منعكفاً على الصوم والصلاة سبعة أيام واعتمد وبقي متنسكاً.
ولما اشتهرت قداسته انضم اليه مئة وتسعون ناسكاً. فرقّاه الاسقف الى درجة الكهنوت ثم الى الاسقفية، وأقامه رئيساً ومدبراً لألئك النساك.
فأعلمه الله أن الوثنيين سوف يجتاحون غانة، فخاف وانتقل بجماعته الى ايطاليا حيث زار والدته التي ماتت بين يديه.
ولما أثار داكيوس الإضطهاد الشديد على المسيحيين، وشي بالقديس نيكون وجماعته الى كونتيسيانوس والي جزيرة صقلية.
فارسل جنوداً قبضوا عليهم فجاهروا بايمانهم بكل شجاعة.
فجلدوهم بالعصي، ثم قطعوا رؤوسهم، وعددهم مئة وتسعة وتسعون راهباً.
أما القديس نيكون فربطوه واحراقوه بالمشاعل.
ثم شدوه الى خيل غير مروضة، وجروه على الارض حتى تحطمت عظامه.
ثم قطعوا رأسه، ففاز باكليل الشهادة سنة 250.
صلاته معنا. آميـــــــن.
وفي هذا اليوم أيضاً :
تذكار القدّيسة رفقا الراهبة اللبنانيّة
(١٨٣٢- ١٩١٤)
أبصرت رفقا النورَ في حملايا، إِحدى قرى المتن الشمالي في لبنان، سنة 1832، وكانت وحيدة لواليدَيها التقيين: مراد صابر الشُّبُق (الريس)، ورفقا الجميّل. ودعيت "بطرسيّة".
توفيت والدتها وهي بعمر سبع سنوات.
في سنّ المراهقة، بدت بطرسيّة فتاةً جميلةَ الطلعة، حلوة المعشر، خفيفة الروح، رخيمة الصوت، تقيّة وديعة، فأمالت اليها الانظار. ثمّ حزمت أمرها على قرارِ أن تعتنق الحالة الرهبانية.
وذهبت الى دير سيدة النجاة في بكفيا لجمعية المريمات، حيث دخلت دير الابتداء في اول كانون الثاني 1853، وهي في ربيع العمر، ثمّ لبست ثوب الابتداء يوم عيد مار مارون 1855.
فبدت مبتدئة رصينة وناضجة، فوثق بها معلّموها، وأَرسلوها تسهر على فتيات موظّفات في معمل حياكة في الشبانية، وتُؤمّن لهنّ، في الوقت عينه، التعليمَ الديني.
فقامت بمَهمّتها خير قيام.
ثم نقلتها السلطة إلى دير غزير حيث نذرت النذور الرهبانية المؤقتة في 10 شباط 1856.
ومكثت الاخت بطرسية في دير غزير سبع سنوات حيث عُهدت اليها خدمةُ المطبخ وقد تعبت فيها كثيراً.
حوالي سنة 1860، قام بعض آباء الرهبانية اليسوعية بأعمال رسالة روحيّة في دير القمر، وكانت الاخت بطرسيّة، مع راهبة أخرى، تَصحبانِهم وتقزمان بتعليم الأَحداث التعليم الديني. وفي تلك الاثناء، حدثت مَذابح دير القمر الشهيرة.
وفي احد الايام، بينما كانت الاخت بطرسيّة مارّة في البلدة، شاهدت بعض الجنود البرابرة يطاردون بخناجرهم المُسنّنة ولداً صغيراً ليذبحوه.
فلما رآها هرع إِليها مُلتجئاً، فخبّأَته على الفور بردائها الرهباني، وخلصته من وحشيتهم البربرية.
وبسبب ذلك الاضطهاد، لم تَطُل إِقامة الأخت بطرسيّة في دير القمر، فأَرسلها رؤساؤها الى مدرسة جبيل فأقامت فيها سنة؛ فاكتشف أَهل جبيل مواهبها وانتشرت شهرتها في المدينة، فعلم بها السيّد انطوان عيسى فطلبها من رؤساؤها مع راهبة معاونة لتعلّما الاحداث في قريته معاد. أِجابت الجمعية طلبَه وأرسلت اليه الاخت بطرسية مع رفقية لها، ففتحتا مدرسة في القرية المذكورة ضمّت ستّين بنتاً.
ومكثت الراهبتان تُمارسان التعليم سبع سنوات، وكانت رسالتهما ناجحة جداً.
وَحَدَثَ أَن حُلّت جمعية المريمات، فأَلهمها تعالى أَن تدخل في الرهبانية البنانية المارونية، في دير مار سمعان القرن، قرب أيطو، وهو دير مخصّص للرهبات اللبنانيات المحصنات.
فقُبلت الاخت بطرسيّة على الفور في الدير ولبست ثوب الابتداء في 12 تموز 1871؛ ثم نذرت نذورها المؤبدة في 25 آب 1872، وأخذت لها اسم الاخت رفقا في الرهبانية الجديدة تيمّناً باسم والدتها المتوفاة.
وبعد أن عاشت الاخت رفقا أربع عشرة سنة في دير مار سمعان القرن، وهي تتمتّع بصحّة جيّدة، وكانت مثالاً حيّاً لأَخواتها الراهبات في حفظ القوانين والصلاة المتواترة والعمل الصامت، شعرت في قرارة نفسها وبإِلهام من الروح القدس أَن العناية الالهية تدعوها الى المزيد من التضحية وبذل الذات، فدخلت كنيسة الدير في يوم أحد الوردية الكبير، وهو الاحد الاول من تشرين الاول 1885، وجثت أمام القربان الاقدس وأَخذت تصلّي وتقول:" إلهي، لماذا تركتني؟ إلهي، لماذا أنت بعيد عني؟ لماذ لا تزورني وتفتقدني بمرض أُظهر لك به كامل محبتي، وبه أكفر ذنوبي وخطاياي وخطايا الآخرين؟" والله الغنّي بكلّ رحمة (أفسس 2/4) استجاب سؤالها للحال. فمنذ ليل الاحد الاول من تشرين الاول 1885، شعرت الاخت رفقا بوجع أليم في رأسها أَخذ يمتدّ فوق عينيها كشهب نار ويستقرّ في مُحجَريهِمَا، ورافقها وجع العينين أكثر من اثنتي عشرة سنة، وانتهى بها إلى عمى لازمها ست عشرة سنة اخرى.
ولمّا أرسلتها رئيستُها الى بيروت للمعالجة برُفقة المرحوم صالح ضومط من معاد، عرّجت على انطوش الرهبانية في جبيل، فالتقت هناك طبيباً أميركياً، عرضت عليه عينها اليمنى. فحكم باجراء عملية جراحيّة لها.
وفي أثناء العملية، كان حاضراً الاب اسطفان من بنتاعل، فطلب ان يُبنّج لها الطبيبُ عينَها تخفيفاً للالم، أَما هي فلم تَرضَ، وحدث انه خلال العملية، اقتلعَ عينها برمّتها، ووقعت أمامها على الارض وهي تختلج.
فقالت الاخت رفقا:" مع آلام المسيح. سَلُمَت يداك أيها الطبيب. آجرك الله".
ولمّا انتهت العملية، سألت الاب اسطفان: هل أعطيتَ الطبيب أُجرتَه؟ فأجابها:" أَتريدين أَن تدفعي له أُجرته لقاء قلع عينكِ؟".
ومكثت الاخت رفقا في دير مار سمعان القرن ستا وعشرين سنة متواصلة.
وعندما قررت السلطة العليا في الرهبانية تأسيس دير مار يوسف جربتا – البترون، سنة 1897، فَصَلت ستَّ راهبات من جمهور دير مار سمعان، وأرسلَتهن الى الدير الجديد، وكانت الاخت رفقا إِحدهنّ، وكانت عينها اليسرى في آخر عهدها بالنور.
وبعد سنتين من وصولها، انطفأ هذا النور نهائياً، فأمست الاخت رفقا عمياء، وبدأت، على عماها، مرحلة اخرى جديدة من مراحل جلجلة آلامها الفادحة.
وفي ذات يوم، قالت الاخت رفقا لرئيستها الام ارسلا ضومط:" اني اشعر بوجع مؤلم في جنبيّ، كأَنَّ رؤوسَ حراب تُغرز فيهما، وبوجع أيضاً في أصابع رجلي أُحسّ كأنها تتقطع".
وبدأ جسمُها، من جّراء هذا الالم، يضعف ويهزل رويداً رويداً ما عدا لون وجهها، فقد بقي مشرقاً وضّاحاً. ومنذ ذلك الحين، عجزت عن الوقوف ولازمت الفراش. وانفكّ وركها الأيمن وحاد عن مركزه، فأمست لا تستطيع تحريك رجلها اليمنى، ولا طيّها.
وانفكّ عظم رجلها الأخرى.
وشهدت احدى الراهبات، قالت:" لم تكن تتحرّك في فراشها دون ان تحرّكها الرهبات.
وأَذكر اني ساعدت يوماً رفيقاتي في إنهاضها لتفيير ثيابها، فانفكّ جنبها.
فقالت بلطف ودون تذمر: يا أُختي، وجعني جنبي.
فنظرنا فإِذا بجنبها مخلوع عند زرّ الورك، وقد نفر من محّله، وعظم كتفها شكّ في رقبتها وخرج من موضعه.
وكانت تشعر من هذا الكتفكّك بألم شديد. وكانت خرزات ظهرها منظورة، ويمكن عدّها واحدة فواحدة.
ولم يَبقَ عضو صحيح في جسمها غير مخلَعي يديها اللتين كانت تحوك بهما جوارب وملبوسات بالصنارة، وهي تشكر الله لإِبقائه يديها سليمتين لتشتغل بهما هرباً من البطالة".
وسألتها يوماً الرئيسة:" ماذا يوجعك؟ فأجابت: وجعي في كلّ جسمي، وهو داخل عظامي وفي نخاعها.
وقد صارت عظامي نخرة كاسفنجة؛ وبعد موتي ترون صدق ما اقول".
رقدَتْ رفقا برائحة القداسة في 23 آذار 1914، ودُفنت ببساطة في مقبرة الراهبات بين أشجار السنديان؛ وعلى عكس ما حدث لجثمان القدّيس شربل الذي حُفِظ سليماً، فإِنّ جثمانَها ذابَ وهي لا تزال حيّة.
لذا وُجِدَ حين كُشِفَ عليه عظاماً نخرةً كالإشفنجة.
فقوّة الله التي حفظَتْ جثمانَ شربل بعد وفاته خِلافاً لسُنّة الطبيعة، هي نفسُها سمحَتْ بأن يَتَلفَ جسمُ رفقا في حياتها، فيما أبقَتهُ صالحاً لاّتحاد النفس به.
وكانت حياتُهُ فيه على خلاف نظام الطبيعة.
إِنّ صيتً القداسة الساطع، الذائع، الذي شُرِّفَت به رفقا في حياتها، زاد انتشاراً بعد وفاتها، أَثبتتهُ مع الأيام، الآياتُ العٌلويّةُ المتعدّدة والمتنوّعة.
لذلك، فُتحت دعوى تطويبها، وبوشرت التحقيقات بإشراف السلطة الكنسية، سنة 1926، ووقّع البابا بولس السادس بيده افتتاح الدعوى، في 1 حزيران سنة 1968.
ولّما انتهت مراسيم المرحلة الثانية من الدعوى، أمرَ البابا يوحنا بولس الثاني بإصدار قرار حول بطولية فضائلها، في 11 شباط سنة 1982.
وفي نهاية المرحلة الثالثة، أصدر قداستُه، قراراً بتعيين يوم 17 تشرين الثاني سنة 1985 لإعلانها طوباوية، وفي 10 حزيران سنة 2001 أعلنها قدّيسةً للكنيسة الجامعة.
صلاتها معنا. آميـــــــن.
#خدّام الرب