تقول إحداهنّ
عشت وأنا صغيرة لفترة مع جدتي...
تلك العجوز التي لم تنل قسطاً كافيا من التعليم ، لكن لديها حكمة فطرية عجيبة وإيماناً عميقاً.
كانت تمرّ بالبيت أحياناً ظروف إقتصادية صعبة ولا أدري كيف كانت تدبّر أمر البيت أثناءها.
لكن في يوم لا أنساه..
مرت جدّتي بأزمة مفاجئة حيث نزلت للسوق لتشتري بعض الحاجيات فضاع منها كيس نقودها أو سرقه أحدهم.
فعادت للبيت ودخلت فوراً وهي شاردة نحو خزانة الملابس لتخرج آخر ما تبقى من نقودولا أنساها حين تسمّرت وهي تنظر للخمسة الباقية في البيت كله..
وأمسكت بها لدقيقة كاملة تنظر إليها وكأن نهر من الأفكار والحسابات المعقّدة تمر بعقلها.
ثم كأنها قرّرت حلاً مفاجئاً ، فإلتفتت إليّ بحماسة وتصميم تطلب مني أن أساعدها فيما ستفعله..
طلبت مني أن أنزل لشراء عشر بيضات وربع كيلو عدس.. فظننت أنها ستطبخه لنا.. ولكن ..!!
أخذت تطبخ العدس وتصاعدت رائحته الجميلة لتغمر البيت.. وسلقت البيض ، وسخنت بعض أرغفة الخبز.. ثم أخذت كل هذا.. ونزلت إلى الشارع.. وأعطته لبعض الفقراء في الحي.
كدت أجنّ... فقد نفذ ما عندنا من مال...
وكدت أصرخ فيها : على الأقل كنتِ أعطني بيضة منهم وكأنها قرأت ذلك في عيني المذهولة...
فقالت في إيجاز وثقة كلمتين فقط :
(أصبري.. سوف ترَين) ..
رجعنا البيت.
ولم يكن أمامنا إلاّ أن ننام لبعض الوقت.
لكننا إستيقظنا على صوت طرق مزعج لباب البيت..
فإذا برجل ممّن يبيعون في السوق يسألها :
( كيس المال هذا لكِ يا حاجة)؟؟
كان سقط منها أمام محله ، ولما حاول اللحاق بها تاهت منه في زحمة السوق ..
لكن أرشدته بائعة عن منزلها إذ كانت تعرفها .
ولم تمضِ ساعة... حتى إرتفع صوت طارق آخر فإذا بصديق لخالي عاد من سفر ليعطينا دين عليه لخالي إقترضه قبل السفر مع هدايا وحلويات.
يومها قالت جدتي :
(يا بنتي.. اللقمة تزيح النقمة..كل ما تضيق بك .. أطعمي فقير )
"مَنْ يُعْطِي الْفَقِيرَ لاَ يَحْتَاجُ" (سفر الأمثال ٢٨: ٢٧)
#خبريّة وعبرة
/خدّام الرب/