الملكوت أتى إلينا بولادة المسيح، كما قال النبيّ :
"الجالسون في الظلمة وظلّ الموت أشرق علَيهم نور".
هذا القول يعني أنّ الملكوت كان موعودًا به، وتحقّق بمجيئ يسوع.
والذين في الظلمة هم العائشون في الخطيئة من بني إسرائيل لممارستهم السحر وعبادة الأوثان، وكذلك الأمم العائشون في ظلمة جهل الإله الحقيقيّ وعبادة الأصنام وتقديم الأضاحي لها، وممارسة العرافة والزنى والمفاسد في هياكل الأوثان.
وقولُ يسوع في بدء حياته العلنيّة : "توبوا فقد اقترب ملكوت السموات" لا يعني أنّ الملكوت إبتدأ في ذلك الوقت، بل عند ولادته.
وقد ربط يسوع بين التّوبة والملكوت، فالملكوت هو أن نتوب ونحيا بالمسيح، ولا حياة بالمسيح ولا دُخول إلى الملكوت من دون توبة.
بالتّالي فالملكوت هو المسيح نفسُه كما قال الكتاب :
"هذا هو الإله الحقّ والحياة الأبديّة" (١ يو ٢٠:٥).
ويسوع كان يُشيير إلى نفسه عندما قال : "لقد اقترب منكم ملكوت السموات.
وقولُ يسوع : "إنّ ملكوتَ الله في داخلكم"، يجعلُ الملكوت حالةً روحيّةً داخليّةً نحياها إبتداءً من لحظة إيماننا بالمسيح وقبوله ربًّا ومخلّصًا، وتوبتنا عن خطايانا.
الملكوت هو حياةٌ روحيّةٌ داخليّةٌ بالمسيح ومع المسيح، نحياها منذ الآن، وتكتمل عند مجيئة الثّاني المجيد، حين بدخٌل الأبرار في المجد "ويُشرقون في ملكوت أبيهم كالنيّرات"، في إشارةٍ إلى غلبتهم على الظلمة وتحرّرهم منها.
الملكوت هو حالةٌ داخليّةٌ مُعاشة وتعزيةٌ عظيمةٌ للمؤمنين، فهم يعيشون في إطمئنان أنّ المسيح معهم وفي داخلهم، فلا يهابون المشقّة.
وعلى هذا قال الربّ :
"لا تخَف أيها القطيع الصغير فقد حَسُنَ لدى أبيكم أن يُنعِمَ عليكم بالملكوت."
هذا الملكوت أتى إلينا بمريم، فهي حملت المسيح في أحشائها وكانت أوّل من عاش المسيح داخليًّا، وفي كلّ لحظةٍ من حياتها، وكانت بذلك أوّل من عاش الملكوت والسبّاقة إلى دخول الملكوت.
/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/