كنت في أيام الحرب أسكن في منطقة بعيدة عن المدينة.
وكانت الطرقات مقفلة في معظم الأحيان فلا يستطيع الإنسان التنقل بسهولة.
جاء وقت لم يستطع زوجي فيه الدخول إلى المدينة ليأخذ راتبه الشهري وبالتالي وقعنا في ضيقة ماديّة.
كنت آنذاك حاملاً في الشهر التاسع.
حاولنا أن نقتصد في مصروفنا... ولكنه جاء اليوم الذي لم نجد فيه النقود الكافية لشراء ربطة خبز.
فأخذنا أنا وزوجي نفتش في البيت بأمل أن نجد بعض المال المنسي في محفظة قديمة أو جيوب الثياب أو خبايا الخزانة...
ولكن لا شيء...
كانت تنقصنا بضعة ليرات لشراء ربطة خبز ولكن لم نجد شيئاً...
شعرت في ذلك الصباح بجوع رهيب وبدا لي أنّ الطفل في أحشائي يصرَخ يريد أن يأكل.
فلم أجد في المطبخ شيئاً يسكت جوعه وجوعي.
فسألت زوجي : هل سيسمح لنا الله بأن نموت من الجوع؟
فأجاب : بالطبع لا.. ألم تقرئي في الكتاب المقدس كيف أنه أشبع الناس في البرَية بالمنَ والسلوى؟ أو لم تقرئي كيف أن المسيح أشبع خمسة آلاف شخص ومعه خمس أرغفة وسمكتين؟
قلت: أعرف القصص ولكنَه كيف سيعطينا الخبز؟ هل سيرمي الربطة من السماء؟
قال زوجي بكل هدوء : لما لا؟ كل شي مستطاع لدى الله.
لنركع ونصلّي...
ركعت مع زوجي وصلّيت ... ولم أطلب غير ربطة خبز فقط تشبع جوعي وجوع طفلي.
ثم صعدت إلى السرير محاولة أن أنام وأنسى جوعي وأسكت صراخ أحشائي، أما زوجي فنزل إلى الحديقة ليبحث عن شي يؤكل ...
لم تمضِ لحظات حتى سمعت صوت سيارة تتوقّف أمام الحديقة وإذا بشاب غريب ينزل من السيارة ويقول لزوجي : أهذا أنت؟ لم أراك منذ عشر سنوات...
تعانقا كثيراً و فهمت من حديثهما أنّهما صديقان منذ الطفولة.
دعاه زوجي للدخول لكنه أجاب :
أنا على عجلة من أمري ... قد أعود في وقت لاحق.
وفيما هو يفتح باب السيارة ليغادرنا، سأله زوجي : ماذا تعمل في هذه الأيام الصعبة ؟
أجاب : أبيع الخبز ...
ثم أخذ من صندوق السيارة ربطة من الخبز ورمى بها لزوجي، وفي لمح البصر غابت سيارته عن العيون.
وقف زوجي مدهوشاً وهو ينظر إلى ربطة الخبز التي في يديه ... وكأنها نزلت من السماء.
شكرتُ الله والدموع تنهمر من عينيَّ.
فغمرني زوجي بذراعيه وقال وهو يكرر كلام الإنجيل :
"الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ."
(مز ١٠:٣٤)
#خبريّة وعبرة
/خدّام الرب/