"لبنان ٢٤"
قد لا تكون مجرد مصادفة أن تحمل قديسة عُرفت بشفاعتها في زمن الأوبئة والأمراض المعدية اسم "كورونا" وهو الأسم الذي بات يتردد على ألسنة مليارات الأشخاص في أصقاع العالم الأربعة، مع تفشي جائحة الكورونا المستجدة وما يتحور عنها في كل دول العالم تقريباً.
قلة نادرة من المسيحيين تعرف أن القديسة كورونا، التي ورد إسمها في السنكسار الروماني، هي قديسة مكرمة في دول عدة منها النمسا وألمانيا، وأن هناك كنائس ومزارات للحج الديني على اسمها.
تاريخ ميلاد هذه القديسة التي يعني إسمها باللاتينية ستيفانا غير مؤكد، وإن كان المؤرخون يرجحون ولادتها في العام ١٦٠ حسب التقويم الميلادي، وإستشهادها في العام ١٧٧ عن عمر لا يتجاوز السابعة عشرة، فما هي قصة هذه القديسة المكرمة في التقويمات اليونانية واللاتينية والقبطية؟وماذا عن طريقة إستشهادها المريعة بسبب إعتناقها المسيحية وثباتها في الإيمان؟
تشير المعلومات القليلة الموثقة عن هذه القديسة الشهيدة، التي ظلّت منسيّة لفترة طويلة، أنها وُلدت في مصر (بعض الوثائق تشير إلى أنها من مواليد سوريا) وتزوجت في سنٍ مبكرة من جندي في الجيش الروماني.
وفي زمن إضطهاد المسيحيين الأوائل، شهدت في ساحة عامة، قد تكون في أنطاكية أو صقلية، محاكمة القديس فيكتور(بقطر بحسب السنكسار القبطي) وتعذيبه بصورة وحشية، فيما هو يتألّم بهدوء وثبات في الإيمان، ما دفعها إلى الخروج من بين الجموع المحتشدة صائحة بأعلى صوتها "طوباكَ يا فيكتور، طوبى للعمل المجيد الذي قدمته لله"، معترفة بذلك بإيمانها المسيحي الذي لم تكن عليه قبل ذلك.
بعد إلقاء القبض عليها ومحاكمتها السريعة أمام الوالي، وإزاء عدم تراجعها عن الإعتراف بإيمانها بالمسيح، أمر الوالي بقتلها على الفور، فتم تقريب شجرتين كانتا بالقرب منه وقام الجنود بربط رجليها ويديها في كل من الشجرتين، وعند إعطاء الإشارة، تُركت الشجرتان، فأخذتْ كل شجرة نصف جسدها وفاضت روحها إلى باريها، من هنا فإن الكثير من المؤمنين يطلب شفاعتها لتقوية الإيمان في حالات الضيق والمحن المستعصية.
للقديسة كورونا ذخائر من رفاتها في كاتدرائية والدة الإله في مدينة آخن غرب ألمانيا كان قد نقلها معه الملك شارلمان الكبير الذي أدخل الديانة المسيحية إلى ألمانيا في القرن الثامن، وهذه الذخائر موجودة حالياً في متحف خزانة الكاتدرائية المدرجة على قائمة مواقع التراث العالمية التابعة للأونسكو، في إطار معرض يستمر حتى أيلول ٢٠٢١ تحت عنوان "فن صياغة الذهب: كنوز من القرنين التاسع عشر والعشرين"، ويضم المعرض نحو ١٣٠ قطعة أثرية من كؤوس وذخائر وصلبان وأباريق ومنحوتات معدنية، وقد أسهم وجود ذخائر القديسة كورونا في هذا المتحف بتحويله إلى مزار يقصده الألمان والنمساويون والأوروبيون بشكل عام للتبرّك وطلب شفاعة القديسة في ظل جائحة متفشّية تحمل إسمها وتكاد توقف أنفاس العالم، كما أنها تحظى بتكريم خاص في النمسا، إذ أنّ عملة هذا البلد كانت الكورونا، تيمّناً بها، وذلك قبل إعتماد اليورو.
تبقى الإشارة الى أنّ الكنائس التي تكرّم القديسين كورونا وفيكتور تحتفل بتذكارهما في الرابع عشر من أيار.
أضغط هنا... للإنتقال إلى صفحاتنا على سوشيال ميديا