HTML مخصص
20 Sep
20Sep


شعر  طانيوس برغبة شديدة بخدمة الآخرين ، لم يرغب أن يلقي عظة أو يقوم بتبرع ، لقد تمنى أن يخدم "الذين ليس لهم أحد يذكرهم" والمتروكين والمشردين.

بعد صلاة عميقة ، عرض رغبته على خوري الرعية ، يا أبونا إني أريد أن أخدم "أولاد الشوارع " ، فقال له الأبونا : إن الأمر ليس بهذه السهولة يا "طانيوس" يا بنيّ ويحتاج لحكمة كبيرة حتى لا تعرّض نفسك للخطر ، ربما إنك لا تتصوّر إنك ستقابل مدمنين وحرامية ، لكن أمام رغبته الصادقة ، قال له  الكاهن ربنا معاك يا إبني.

عرض الأمر على أصدقائه ، سخر منه الأغلبية إلاّ واحد إنضمّ إليه.

أخذ الأسبوع الأول لا يعمل شيئاً سوى الصلاة وإكتشاف هذا الجو العجيب....

هذا ينام على الرصيف وآخر في محطة الباصات ليحتمي من البرد القارص في الشتاء وأطفال يدخّنون ويشمون ويسرقون وينشلون.

حاول الإقتراب منهم و دعوتهم لتناول "سندويش" كل يوم خميس في إي مكان يختارونه ، توجّه منه البعض وسألوه : هل أنت بوليس أم مباحث ؟ لكن تدريجياً أحبّوه هو وصديقه وصارت جلسة الخميس جلسة محبة وكانوا يلقبون أنفسهم بأسماء مستعارة "الوحش" ، "الأسد" ، "الغول"....

وعندما وثقوا في "طانيوس" أخذوا يحكون له قصصهم..... واحد يتيم الأبوين وواحد تعلّم النشل من والده إلاّ أحدهم ويدعى "الزعيم" كان غامضاً ولا يتحدّث عن نفسه إطلاقًا وكلّما حاول "طانيوس" التقرّب منه كان يهرب منه ، لكن "طانيوس" ظلّ يصلّي له.

وبعد مرور سنة قال له الزعيم إنه يريد أن يتحدّث معه على إنفراد ، وعلى غير عادة الزعيم في إلقاء النكت والسخر ، بكى ... بكى أكثر ممّا بكى في حياته كلّها.... وقال له :

"أنت تحدّثني عن محبة الآب السماوي ، كيف أدرك حب الآب وأنا لا أشعر به ، فقد طردني أبي (المدير العام) من البيت  منذ ٣ سنوات ومن يومها وأنا مشرّد حاقد على كل الناس ".

طلب منه "طانيوس" أن يسافر معه لمقابلة والده ، فأكّد له الزعيم إنه لن يفتح له الباب ، وأخيراً قرّر "طانيوس" أن يذهب للوالد بدونه ، سافر وهو يتضرّع للّه أن يعطيه الحكمة وعندما فتح أبو الزعيم ، قال له "طانيوس" أنا خادم في كنيسة...

فقال له ببرود أعصاب : أنا مشغول ، أنا ما أتبرع بمال للكنيسة.

لم ييأس "طانيوس" بل طلب منه ١٠ دقائق فقط لأن الموضوع يخصّ إبنه، فقال له الأب : إبني مات منذ ١٠ سنوات ، فقال له طانيوس : كلّا لم يمت ، بل يحيا حياة بائسة منذ طردته من سنتين ، لا يجد لقمة العيش ولا دواء عندما يمرض ولا غطاء في الشتاء القارص ولا بيت يأويه.

إنهار الأب وبكى وجاءت الأم مسرعة عندما سمعت إسم إبنها ، قال الأب : هل تعرف ماذا فعل بي إبني؟ لقد سرقني ، فضحني وسط الجيران والمعارف ، رفع السكين على أمه لكي تعطيه المال التي يصرفها على المخدرات... لقد أصبح مجرم... حرامي

قال له "طانيوس " : سأسألك سؤال واحد ، هل تريد أن يرجع إليك أم يقضي باقي عمره هكذا ؟ إذا أردت رؤيته فإتصل بي في منزلي غداً الساعة ٧ مساءً و..... وتركه وذهب راجعاً .

رنّ جرس التليفون قبل ٧ مساءً .....إبني إبني ، أرجوك سامحني يا إبني تعال ، أنا سامحتك على كل شئ ، سامحني أنا أيضاً.

وضع الزعيم السماعة وإرتمى في حضن "طانيوس" وقال له : لن أنسى لك هذا الجميل مدى العمر، لقد أدركت الآن مدى حب الآب السماوي ، إن كان أبي السماوي قد سامحني على كل ما فعلته ، فكم يكون حب أبي السماوي.

سافر الزعيم بعد أن ودّع أخواته وأصدقائه ولكن قبل أن يذهب لأبيه الأرضي ، ذهب يشكر أبيه السماوي و قدم توبة حقيقية.



العِـــــــــبرة


هل تنسى المراة رضيعها فلا ترحم إبن بطنها حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك (أشعيا ٤٩/ ١٥).


نلتقي غداً بخبريّة جديدة


#خبريّة وعبرة

/الخوري جان بيار الخوري/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.