كلمات مؤثّرة من كاهن يرثي فيها البطريرك صفير في الذكرى السنوية الثانية لإنتقاله!
كلمات مؤثّرة من كاهن يرثي فيها البطريرك صفير في الذكرى السنوية الثانية لإنتقاله!
12 May
12May
خاص "خدّام الرب"
رجلاً وليس مثل كل الرجال من كلمات للخوري جان بيار الخوري كاهن رعية سيّدة الإنتقال جبيل المارونية.
ولد في ١٥ أيّار ١٩٢٠ توفي في ١٢ أيّار ٢٠١٩
رجلاً وليس مثل كل الرجال. بطريركاً وها هو يعيّد عيده في السماء وقد بلغ اليوم الأربعاء ١٥ أيّار ١٠٠ عام في السماء إنه أسطورة في تاريخ لبنان، فكان شاعرًا مبدعًا، فيلسوفًا فكان نِعم لبنان الذي أحب بلاده وتحمّل الكثيرَ من أجل إستقرارها ووحدة صفّها.
وإمتلك بقلبه الرحمة والمحبة، فكان نِعم الأب المُعزّي لأبنائه.
وإمتلك الحكمة بالسياسة، فعرف دائمًا كيف يحوّل أحزان لبنان لعيش المحبة ، وحتى للمسيئين منهم.
وإمتلك حُب التنسّك والتقشّف، فإعتكف في بكركي سنوات لا يبرحها، ليحيا للصلاة والتأمل بعد إستقالته من منصبه تاركاً لصاحب الغبطة مار بشارة الراعي الكليّ الطوبى تكملة المسيرة.
“مجد لبنان أعطي له”
إنه صخرة الإستقلال ومجد لبنان، وذاكرة التاريخ. رَحِمَكَ الرب من عليائك يا صاحِب الغبطة أبينا الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير. إنك أسطورة للتاريخ . مردّدًا قولته الشهيرة : «لا أريد شيئًا من هذا العالم، لأن العالمَ أفقرُ من أن يعطيني شيئًا». ”قد قلنا ما قلناه وهو الذي يثبت في كلامه إن كان سلباً أو إيجاباً حول أي رعيته الصغير أي الموارنة أو الكبيرة لبنان، وفي الحالتين هو بالكلام الأصح وهو كان يردّد على السبيل الفُكاهة : ”بكركي من عركة العركة ولا زيتا ولا نورا شحّ كل عّم يحكي تركي إلا بكركي عّم تحكي صح”.
عاش بهدوء ورحل بهدوء كما يليق برجل دين صالح، حمل حبَّ الله وحب كنيسته وحب لبنان الكبير في قلبه، فأحب كلَّ خلق الله.
تمامًا مثلما كان يعظ أبناءه بهدوء، لا يخلو من خفّة ظِلٍّ وسرعة خاطر في الرد على تساؤلات الناس ومشاكلهم وإمتصاص همومهم تلك التي عرف دائمًا كيف يُبسّطها أمامهم، مُحوّلاً أنظارهم نحو السماء التي فيها العدل والرحمة والعزاء عمّا يلاقي المظلومُ على الأرض من ظلم الإنسان للإنسان. ترفّع دائمًا عن الصغارات والدنيا. فلم يغضب يومًا مما يُقال في حقّه ثم يُصليّ للمسيئين طالبًا من الله ألا يُقيم عليهم خطاياهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. فمَن عساه يقول اليومَ : «اغفروا»، فيحوّل الأحزانَ إلى محبة وتسامح ؟!
حملَ لبنان والشرق الأوسط في قلبه لأنه أجاد قراءتها بعمق خلال التاريخ الحديث وتاريخ لبنان. وكان يحثُّ أبناءه على الدراسة للتاريخ قائلاً : إن المعرفة والإيمان والعلم لا تكتمل بغير الخبرة. والخبرةُ لا تتكوّن من تجارب الإنسان وحسب، بل عبر الإستفادة من تجارب الآخرين. وهو ما يحدث بتأمل التاريخ بما يحمل من خبرات السالفين، عمل دائمًا على بناء كنائسَ مارونية ومؤسسات كنسية في المهجر، حتى لا تذوبَ هُويتهم اللبنانية في هويات مهاجرهم التي يحيون بينها. فكأنما بهذا يمدُّ خيوطَ المواطَنة بين أبنائه وبين وطنهم، فلا يبرحونها مهما طالت تلك الخيوط وتشعّبت وتشتتت في أرجاء الأرض. قلوبنا معكم : «طوبَى للحزانى لأنهم يتعزّون».
في لبنان، ومن رعيتي الصغيرة، أقولُ له اليومَ في رحلته للأبدية : يا صاحب الغبطة ، إن لبنان، بعد الله، وسيدة بكركي وسيدة لبنان ستحمي كنائسَها كما تحمي مساجدها. ألم يقل البابا القديس يوحنا بولس الثاني “لبنان أكثر من وطن إنه رسالة” . فنَمْ مستريحًا، وانعمْ بفردوس السماء، لأنك أهلٌ لذلك.
رزقنا اللهُ برجل في حكمتك، ينجح في وأد الفتن قبل إشتعالها.