من أجل خير الإنسان وكرامته يحلّ عمل الخير في السبت وفي غير السبت، في الهيكل وفي غير الهيكل، لأن سيّد السبت وكل الايام هو سيّد الرحمة وكل الذبائح الأخرى لا تعنيه، فهوأتى ليخلص العالم لا ليدينه (يوحنا 3 / 17).
فإذا كان ناموس موسى وغير موسى يقضي بحسب الظاهر أما يسوع فانه يريد القلب انطلاقا من الرحمة حتى ولو على حساب نفسه وحياته. الناموس هو قاض يحكم بالموت أما يسوع (الرحمة) فهو محام يعمل لادانة الفعل وخلاص الفاعل. الناموس يحكم بحسب الظاهر أما يسوع فانه ينظر الى العمق.. الى الجوهر.. الى القلب..
كنّا نظن أن الفريسيين انقرضوا مع الايام، لكن للأسف الشديد لا زالوا يعيشون فريسيتهم داخل الكنيسة وخارجها!! وإلا لما كنّا نسمع فتاوى الشؤم والرجم والتحريم والتجريم والتكفير ومن يقول لملك الرحمة والمغفرة:"أُنظُرْ تلاميذُكَ يَعمَلونَ ما لا يَحِلُّ في السَّبتِ".
أخذت الكنيسة تدبيراً احترازياً، مؤقتاً واستثنائياً يقضي أن تكون المناولة باليد والسلام بانحناءة لطيفة والتعزية بالمشالحة، تفادياً لفيروس الكورونا الشديد الخطورة، رحمةً بالناس ورأفةً بأرواحهم... شيْطَن فرّيسيو العصر رأس الكنيسة الكاثوليكية وعيّروه بالاسخريوطي، وشيطنوا البطاركة والأساقفة والكهنة وكل من أطاع أمر الكنيسة!!!هؤلاء الفريسيون الجدد لهم رعاة يلبسون أثواب الحملان وملؤهم خطف وضغينة، نراهم على المذابح يحلّلون ويحرّمون، يحللون الموت ويحرمون الحياة، يحللون ثقافة اليد اليابسة ويحرمون ثقافة الشفاء، يُسخفون الايمان بالله بأساطير وادعاءات وهلوسات لا ترتقي لمستوى أبناء الرحمة... لدرجة أنهم ينشرون السموم والجراثيم من على مذبح الرحمة في عظاتهم وأقوالهم ومنشوراتهم المبنية على صور سخيفة لأشكال الشيطان وتوصيف النار وطوابقها وأبوابها وشبابيكها ومن فيها!!!إذا جاع الإنسان فليأكل خبز التقدمة دون لومٍ من أحد، وإذا كان وقع في حفرة أو مشكلة أو مرض فانتشاله واجب وأولوية ولو على حساب الشرائع والنواميس، لأن الرب يريد رحمة لا ذبيحة، يريد خلاص الإنسان لا موته..
وإذا أخذت الكنيسة تدبيراً آخر أكثر قساوة يقضي بإغلاق الكنائس مؤقتاً تفادياً لانتشار الأمراض تكون كنيسة الرحمة لا الذبيحة كما أرادها ملك الرحمة "ولو فَهِمتُمْ مَعنى هذِهِ الآيةِ أُريدُ رَحمَةً لا ذَبـيحَةً، لَما حَكَمتُم على مَنْ لا لَومَ علَيهِ"...
وإذا فتحت الكنيسة أبواب الكنائس والأديرة للنازحين والمهجرين والمظلومين كما فعلت مراراً وتكراراً في التاريخ تكون كنيسة البشر لا الحجر، كنيسة تفدي المظلوم وتجبر المكسور وتطعم الجائع وتكسو العريان "أما قَرأتُمْ ما عَمِلَ داودُ عِندَما جاعَ هوَ ورجالُهُ، كيفَ دخَلَ بَيتَ اللهِ، وكيفَ أكلُوا خُبزَ القُربانِ، وأكْلُهُ لا يَحِلُّ لهُم، بلْ لِلكهَنَةِ وحدَهُم"...هذه هي كنيستي التي أنتمي إليها وأعمل فيها وأحيا في هيكلها، أطيعها حتى الموت محبةً بالحياة.
يعلم بسوع جيدا خريطة حياتنا، هو فاحص الكلى والقلوب. يعرف ويحنو.. يعرف ولا ينظر الى عارنا ولا يشهر بنا .. هذا "الحنو" يدفعنا الى رمي الحجارة من قلوبنا وعيوننا وأيدينا، كي نخرج ليس الى منازل الانانية والانغلاق بل الى حمل الصليب في رسالة الحب.. رسالة الحياة.
صوم مبارك
/الخوري كامل كامل/