"وهَوى من السماء كوكبٌ عظيم يلتهب كالمشعل، فسقط على ثلث الأنهار وعلى ينابيع المياه. واسمُ الكوكب "أفسنتين" فصار ثلث المياه أفسنتينًا. وكثيرٌ من الناس ماتوا بالمياه لأنها صارت مُرَّةً" (رؤيا ١٠:٨ _ ١١).
(١) ما هو الأفسنتين؟
الأفسنتين في ترجمة الفولغاتا اللاتينيّة هو Absinthius وفي النصّ اليونانيّ الأصليّ Αψίνθιος Apsinthios وبالإنكليزيّة Wormwood. والمقصود هو نبات Artemisia absinthium الشديد المرارة.
هذا النّبات يرتبط "بالإلهة" (الشيطان) Artemis أرتميس، وهو يحوي مادّةً سامّة (Thujone).
وبواسطة نبات Artemisia absinthium يتواصل السحرة مع أرتميس بصفتها إلهة (شيطانة) القمر وجالبة المرض والموت وملكة السحَرة، التي ترافقهم إلى عالم الماوراء.
وهم يستعملون هذا النّبات بوصفات شتّى لأجل "تَنقية الروح" وإستجلاب الرؤى والأحلام وتحضير الأرواح والسَّفر الأثيريّ (الخروج من الجسد).
وأرتميس مختصّةٌ بسحر الأعشاب وتُحيط بها حوريات الحقول، ويقدِّم لها السحرة باقات ال Artemisia ويحرقونه على مذبحها لإكرامها.
ويُستعمل دُخان حريقه (السام جدًّا) في السحر الأسود، وتدخينه (رغم خطورته) يحفِّز غيبوبةً trance تُساعد في التأمّل مع هذه "الإلهة".
(٢) ما معنى سقوط كوكب الأفسنتين؟
سقوط كوكب أفسنتين هي عاقبة إبتعاد الناس عن إلههم وعبادتهم للأوثان.
فخطيئتُهم هي نفسُها عقوبتُهم:
"استبدلوا مجد الله الخالد بصور تمثل الإنسان الزائل والطيور وذوات الأربع والزحافات. فأسلمهم الله بشهوات قلوبهم إلى الدعارة يشينون بها أجسادهم في أنفُسهِم" (رومة ٣٣:١ _ ٣٤).
وأجواء رؤيا ٨ تُشبه ما يَصِفُهُ إرميا النبيّ، حيثُ تُستعمَل عبارة "absinthio": "بادت الأرض وآحترقت فصارت كالبريَّة لا يَجتازُ فيها أحد لأنَّهم تركوا شريعتي ولم يسمعوا لصوتي بل ساروا وراء تطلُّبِ قلوبِهم ووراء البعل، لذلك هكذا قال رب القوات إله إسرائيل: هاءنذا أُطعِمُ هذا الشعب مرارة absinthio وأسقيهم ماءَ سُمٍّ" (أرميا ١٢:٩_ ١٥)..
"في أنبياء أورشليم رأيت ما يُقشعَّرُ منه: الفسِق والسلوك في الكذب شدَّدوا أيدي فعَلة الشرّ لئلا يرجعوا كلُّ واحد عن سوئه فصاروا كلُّهم كسدوم وصار سكانها كعمورة. لذلك هكذا تكلم رب القوّات على الآنبياء: هاءنذا أُطعِمُهم مرارةً absinthio وأسقيهم ماءَ سُمٍّ لأنه من أنبياء أورشليم خرج الكُفر إلى كل الأرض" (أرميا ١٤:٢٣_ ١٥).
(٣) إستنتاج
يُكرِّر الربّ بلسان أرميا النبيّ عبارة "ماء سمّ" مرّتين.
وهذا يفسِّر أنّ كوكب الأفسنتين السامّ وقع على ثلث الأنهار والينابيع "فصار ثُلثُ المياه أفسنتينًا.
وكثيرٌ من الناس ماتوا بالمياه لأنها صارت مُرَّةً"، أي سامّةً (رؤيا ١١:٨).
والموت هنا مجازيّ، بمعنى أن السحر مُميت روحيًّا.
وقد إستعمل الربّ في سفر الرؤيا عبارة أفسنتين التي تُشير إلى "الإلهة" (الشيطان) أرتميس لأنّها من أعظم "آلهة" (شياطين) اليونان.
فهي إبنة كبير "الآلهة" زوس وشقيقة أبولّو، وهو من أكبر الآلهة أيضًا و"إله" (شيطان) الخراب كما يصِفُه سفر الرؤيا (رؤيا ١١:٩).
وأرتميس هي ملكة السحَرة والسموم السحريّة وجالبة المرض والموت كما أسلفنا.
والنّجم الساقط من السماء هو ملاكٌ سقط فصار شيطانًا كما قال الربّ :
"رأيتُ الشيطان ساقطًا من السماء كالبرق" (لوقا ١٨:١٠).
بينما في نصّ الرؤيا أعلاه هو "كوكبٌ عظيم يلتهب كالمشعل".
وسقوطه يدلّ في الوقت عينه على زوال سلطانه، وأنّه يُجرّب أهل الأرض زمنًا قليلًا قبل أن ينتهي إلى الزّوال.
وسقوط كوكب أفسنتين على ثلث الأنهار والينابيع يعني وقوع كثير من النّاس في شرك لممارسات السحريّة المميتة.
وتقول الترجمة الكاثوليكيّة إنّ أصحب "السموم السحريّة" نصيبُهم في المستنقع المتقد بالنار والكبريت (رؤيا ٨:٢١).
وعبارة "السموم السحريّة" تقابلها في ترجمة أخرى عبارة "السحرة من أصحاب المواد الكيميائيّة السّامة" (sorcerers with intoxicating drugs; Amplified Bible)، في إشارةٍ إلى إستعمال الأعشاب والمواد السامة في السحر.
كتب القديس يوحنّا سفر الرؤيا وهو في جزيزرة بطمس القريبة نسبيًّا من مدينة أفسس حيث أعظم هيكل لأرتميس، ومن مدينة سرديس التي فيها رابع هيكل في الأهميّة لأرتميس في العالم القديم.
والرسالة وراء (رؤيا ٨ : ١٠ - ١١) هي أنّ السموم السحريّة سوف تتفشّى في المسكونة وتُميت كثيرين، لكنّ الربّ عالِمٌ بها هو يمهل أصحابها ليوم الدِّين.
أما عن تسمّم ثلث مياه الأنهار والينابيع بالسموم السحريّة فتُعيدُنا إلى قول الربّ :
"شعبي صنَعَ شرّين: تكوني أنا يبنوع ماء الحياة واحتفروا لأنفُسِهم آبارًا مُشقّقةً لا تُمسِكُ ماء" (إرميا ١٣:٢).
أمّا إلهُنا فله المجد إلى الدّهور. آمين.
/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/
#خدّام الرب