من المعلوم أن اليهود كانوا قد إنتظروا "مسيحاً" من نوع آخر، على صورة ملوك العالم ومثالهم.
أرادوه ملكاً جباراً، يكتسح الأعداء بنفخة من فمه، ويكون لهم نصيراً في الأرض كلها، فتكون لهم الغلبة والتفوق، لأنهم "شعب الله المختار"..
فإذا به يدعو إلى تخطي الحواجز التقليدية بين الشعوب لا بل يدعوا إلى محبة الأعداء "سمعتم أنه قيل للأوّلين…، أمّا أنا فأقول لكم… أحبوا أعداءكم، وصلّوا لمضطهديكم… كونوا كاملين كما أن أباكم السماوي كامل" (متى ٥/ ٢١)
أرادوه كلّي القدرة والقوة والجاه والغنى، فاذا به وديعاً متواضعًا تَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ اَلْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ " (متى ١١ / ٢٩)، فقيرا "لا شيء له"، "لِلثَّعَالِبِ أَوْجِرَةٌ وَلِطُيُورِ السَّمَاءِ أَوْكَارٌ وَأَمَّا ابْنُ الإِنْسَانِ فَلَيْسَ لَهُ أَيْنَ يُسْنِدُ رَأْسَهُ" (متى ٨ / ٢٠)..
أرادوه ملكاً متعجرفاً، يمشون في موكبه حفاة وعراة، يفترشون الأرض بأجسادهم ليدوس عليها بقدميه، يركعون أمامه في عين الشمس كعبيد، يزودوه بالمال والرجال والبنات والبنين، ليزداد غنى ويغرقون هم بفقرهم... ليسكن القصور وهم القبور... ليلبس الحرير المطرز بالذهب وهم أوراق التين... ليأكل لحوم طيور السماء وأسماك البحر وحيوانات الأرض ، وثمار الحقول والبساتين، وهم يشتهون أن يملأوا بطونهم من الفتات المتساقط عن موائده ولا يقدرون.
أرادوه حاكماً بالحديد والنار ينشر الموت والرعب ، فإذا به بسيطاً محباً للخير والجمال، نقياً كالأطفال، مشعّاً كالشمس، حُرًّا كالطيور، كريما كينابيع الماء، عادلا كالحق، جميلا كالحب.. صديق الصغار، قريب البسطاء، جار المنسيين، قوة الضعفاء، شفاء المرضى، سلاح الأطهار، خلاص الخاطئين، حياة المائتين.
يا رب، يا من أرسلت لتبشر المساكين بالرجاء، إمنحنا الحرية نحن الذين أسرتنا الخطيئة دون مقاومة تذكر منا، أعطنا نعمة البصيرة، أنر قلوبنا، بارك أفكارنا، وزدنا قدرة كي نتغلب على ضعف إرادتنا بقوة صليبك المقدس. آمــــــــــــين
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/