يتحدث الرب يسوع عن أربعة نماذج لشخصية الإنسان المؤمن المعاصر :
١- شخصية الطريق المفتو:
(خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفيمَا هُوَ يَزْرَع، وَقَعَ بَعْضُ الحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق فداسته الأقدام)
هذا النوع من الشخصيات يكون متساهلاً الى أبعد الحدود "كرم ع درب" و"مين ما قلو تش بقلو مش" فالطريق لا تحصن الانسان لانها مفتوحة للجميع، وبالتالي ليس من جدران أو أبواب أو أسوار أو حدود واضحة لتحميه من عابري السبيل والمتطفلين عليه.. لقد كثر هذا النوع من الشخصيات بعد تطور وسائل التواصل الاجتماعي فأصبح البيت في الشارع والشارع في البيت، فانتهكت حرمة البيوت وأصبحت مباحة للغرباء الذين يدنسون طهارة نفوس أبنائنا وصفاء أفكارهم وأحلامهم، لذلك لا تنمو الكلمة الإلهية في ذاتهم بسبب تصلب قلوبهم جراء أقدام العابرين على كرامتهم.. لذلك صلى صاحب المزامير قائلًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي وبابًا حصينًا لشفتيَّ"...
٢- الشخصية المتحجرة :
(وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُطُوبَة)
الشخصية السطحية الساعية وراء المظاهر، قد يكون التدين في بعض الأحيان خصوصاً في المجتمعات الشرقية بطاقة عبور لتحقيق مصالح خبيثة خفية، سرعان ما تنفضح عند أول امتحان صعب أو اشراقة نور، لأن الضيق والمحن والتجارب تفضح جوهر الانسان وعمق أعماقه لأنه يخوض غمارها دون أصلٍ... "هؤُلاءِ لا أَصْلَ لَهُم، فَهُم يُؤْمِنُونَ إِلى حِين، وفي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَتَرَاجَعُون".
يقول البابا كيرلس الكبير في هذا السياق: "متى كان المسيحيّون في سلام يحتفظون بالإيمان، لكنّه متى ثارت الاضطهادات يفكّرون في الهروب طالبين الأمان. يتحدّث إرميا لمثل هؤلاء، قائلًا: "أعدّوا المجن والترس، وتقدّموا للحرب" (إر 46: 30). لأن يد الرب المدافع عنكم لا يمكنها أن تنهزم، وكما يقول بولس الرسول: "الله أمين، الذي لا يدعكم تُجرَّبون فوق ما تستطيعون، بل سيجعل مع التجربة أيضًا المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا...".
٣- الشخصية المغرورة :
(وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في وَسَطِ الشَّوْك، وَنَبَتَ الشَّوكُ مَعَهُ فَخَنَقَهُ)
الشخصية المصابة بداء الكبرياء، بالغنى واهتمامات العالم، التي تمثل الاشواك الضارة للنفس والمفسدة للروح... مع التطور الذي حصل في وسائل التواصل الاجتماعي دخل العالم الكبير الى العالم الصغير، الى العائلة النواتية فخلق فيها جوع مميت الى السلع والخدمات لا يمكن اشباعه مهما تعاظم غنى الافراد والجماعات.
يركض انسان اليوم لاهثا لتأمين حاجات لا تبدو أساسية لحياته لكنه لا يستطيع الاستغناء عنها فيرزح تحت ثقل هموم الحياة اليومية وفواتيرها التي لا تنتهي فيجف تدريجيا حتى يختنق بغابة كبيرة من المتاعب المضنية... " انهم يزرعون الريح ويحصدون العاصفة، زرع ليس له غلة لا يصنع دقيقا، وان صنع فالغرباء تبتلعه"(هوشع 8 / 7).
٤- الشخصية المتواضعة :
( وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف)
المؤمنة التي تخوض غمار التجارب لتخرج منها نقية كالذهب الخالص من أتون النار. تلك الشخصية التي تصمد وقت المحن والصعاب فتعيشها كأزمنة بركة تكسبها تجذرا وعمقا وخبرة روحية هائلة وتأتي بثمار رغم قساوة الظروف وتحجر القلوب واغراءات العالم...
كلمة الرب صالحة لكل زمان ومكان والزارع لا يتعب من المحاولة مرارا وتكرارا، والانسان لا زال يتأرجح بين السطحية والقساوة والغرور والتواضع...
يقول القديس غريغوريوس الكبير:
"حترزوا من أن تحتفظوا بذلك القلب القاسي الذي سرعان ما تعبر عنه كلمة الرب ويفقدها.
احذروا من أن تكون لكم تربة خفيفة فلا تتمكن جذور المحبّة من التعمق فيها.
احذروا من أن تختنق البذار الصالحة التي زُرعت فيكم، وذلك بواسطة الشهوات واهتمامات هذا العالم.
كونوا الأرض الجيّدة، وليأتِ الواحد بمائة والآخر بستين وآخر ثلاثين"...
أعطنا يارب أن نكون "رائحة المسيح الذكية لك في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت، ولأولئك رائحة حياة لحياة"(٢ كور ٢ / ١٥ – ١٦)
أحد مبارك
/الخوري كامل كامل/