بعد أيام من ولادة يسوع ظهر الملاك في الحلم ليوسف وقال له:
"قم فخذ الصبي واهرب إلى مصر."
وحرف "الفاء" في عبارة "قم فخذ..." يعني فوراً.
لهذا قام يوسف ليلاً وأخذ يسوع وأمه وانطلق إلى مصر.
الملاك عينه، المرسل من الله، الذي قال لمريم إن المولود منها "يكون عظيما وابن العلي يدعى، ويملك على بيت داود إلى الدهر"، هو نفسه الذي يقول ليوسف أن يهرب إلى مصر.
ألا يدعو هذا الأمر إلى الريبة؟ والله الذي عرف فكر هيرودس قبل أن يفكر به هيرودس نفسه ("هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه") لم لا يتدخل ليمنعه عن ذلك؟ "ما أبعد أفكار الله عن الإدراك وطرقه عن الاستقصاء."
فقد شاء الله لإبنه الذي صار إنساناً ، أن يعيش ملء إنسانيته، حتى من أيامه الأولى، وأن يعاني البرد والحر ويواجه الأخطار ويخضع لنواميس الطبيعة.
هل تساءلت مريم لماذا لم يتدارك الله شرور هيرودس، بدلاً من أن يترك إبنه يسوع، المولود حديثاً ، يتغرب إلى مصر؟ الجواب هو "لا"، لأن مريم لم تعرف الشك ولا للحظة في حياتها.
هي لم تشك مطلقا بتدبير الله، ولا يوسف البتول. وحتى عندما رأت إبنها على الصليب، لم تشك أنه ابن العلي، الذي بشرها به الملاك، والذي سوف "يملك على بيت داود".
هذا هو إيمان مريم.
إيمانها بابنها هو الأعظم على الإطلاق، وهذا الإيمان جعلها تحفظ كل ما قاله ابنها وعمله، وتتأمله في قلبها.
وهذا الإيمان، أيضا، هو الذي اهلها لأن تكون موزعة النعم وشريكة الفداء ووسيطة الخلاص.
/الأب أنطوان يوحنا لطوف/