إنجيل نسَب يسوع
عندما يموت شخص يُعدّد الكاهن محطّات حياته وأعماله.
لكن للمرحوم تاريخ آخر خفيّ، كما يُقال: "في الخفايا خبايا"، وكما يُقال أيضًا: "هناك هيكل عظميّ في خزانتي"، أي أنّي إرتكبتُ جريمتي وأخفيتُ فِعلَتي.
وإنجيل نسب يسوع يسرد سلالةَ آباء وملوك، لكن هناك هياكل عظميّة في حياة كلّ منهم.
أولًا : إسحق ولد يعقوب: كان يعقوب الإبن الأصغر لإسحق، والأكبر كان عيسو.
لكنّ يعقوب سرق بكوريّة عيسو بالحيلة ونال بركة أبيه إسحق.
لهذا لم يذكر الإنجيل عيسو في نسَب يسوع.
ثانيًا : يهوذا ولد فارَص وزارَح من تامار: تامار لم تكن زوجة يهوذا بل زوجة إبنه البكر.
مات إبنه فزوّجها إبنه الأصغر منه "ليُقيم لأخيه نسلًا".
هذا أيضًا مات، فماطَلَ يهوذا بأن يزوّجها إبنه الأصغر، فتنكّرت تامار بزيّ إمرأة بغيّ وأغوت يهوذا وحبلت منه وولدت فارص وزارح.
ثالثًا : سلمون ولد بوعز من راحاب: كان اليهود يريدون إحتلال أريحا فأرسلوا جاسوسَين إليها فإستقبلتهم راحاب البغيّ وخبأتهم.
ولمـّا دخل اليهود أريحا إنضمّت هي وعائلتها إلى الشعب اليهوديّ، وتزوّجها سلمون فأنجبت بوعز.
رابعًا : داود الملك ولد سليمان من زوجة أوريّا: كان داود الملك يتمشى على سطح بيته فرأى بتشابع زوجة أوريّا، أحد جنوده، فأخذها وحبلت منه.
ولما عاد أوريّا من الحرب رفض أن يذهب إلى بيته لأنّ الملك في حالة حرب.
فأمر داود بإرساله إلى صفوف الحرب الأماميّة ثم ينسحب الجنود الآخرون ليموت أوريًّا في المعركة.
بعدها مات الصبيّ الذي حبلت به بتشابع ثم تزوّج داود بتشابع وولدت سليمان.
خامسًا : الملك سليمان: كان من أعظم ملوك عصره، وهو بنى الهيكل المسمّى بإسمه.
تزوّج نساء وثنيّات فإستملنه إلى عبادة الأوثان، وهذه من أعظم الخطايا التي تُغيظ الله، كما قال الكتاب :
"أغاظوه بأصنامهم"، "وعبدوا أقذار الأصنام التي قال لهم الربّ أن لا يعبدوها" (٤ ملوك ١٧:١٢).
سادسًا : سليمان ولد رحبعام (من زوجة وثنيّة)، فإنتشرت عبادة الأوثان في أرجاء الأرض.
وكان اليهود يعبدون الأوثان على المرتفعات ويقدّمون بها الأضاحي.
وكثير من الملوك الذين أتوا بعد سليمان عبدوا الأصنام.
وبالنّتيجة، في نسب يسوع هناك آباء وملوك عظام، لكن لكلّ منهم تاريخ آخر، مثل هيكل عظميّ في خزانة.
والمـُعجب أنّ متّى الإنجيليّ لا يتورّع عن ذكر تامار التي حبلت بالزّنى من والد زوجها، وراحاب البغيّ، وبتشابع التي زنى معها داود.
ونحن أيضًا هناك حياتنا الظاهرة، وخطايانا الخفيّة.
لهذا هتف داود قائلًا :
"طهّرني من خطاياي الخفيّة".
وعند كثيرين، ما خفي هو بشع جدًا وسيّء جدًا وخطير جدًا فوق كلّ تصوُّر.
حياتنا جميعًا صراع حادّ بين غرائزنا وشهواتنا، وبين ما يريده الله منّا، كما قال بولس الرّسول:
"الخير الذي أريده لا أفعلُه، والشرّ الذي لا أريده إيّاه أفعل. ما أشقاني من إنسان."
لكن واحدٌ فقط في هذه السلالة التي ذكرناها، ليس عنده إزدواجيّة في حياته لأنه كان بلا خطيئة.
لم يكن عنده حياة "خفيّة"، أو بالأحرى، هناك تطابقٌ بين حياته الظاهرة وحياته الخفيّة وليس فيه من شائبة.
لذلك هو وحده يستطيع أن يُخرجَنا من صراعاتنا وتناقضاتنا، إن نحن لجأنا إليه.
لهذا فالرسول بولس بعد أن يقول "ما أشقاني من إنسان"، يعود فيقول: "لكن شكرًا للّه الذي منحنا الغلبة بربّنا يسوع المسيح".
ونحن ننال هذه الغلبة بالإيمان بيسوع وإعلان توبتنا إليه.
وبالتّوبة ندفُنُ جميع الهياكل الهظميّة التي في خزائننا، لنصير أنقياءَ أطهارًا بنعمة يسوع الذي أحبّنا وتجسّد لأجلنا.
/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/