لا شك أنّ السعادة قرارٌ شخصي نتخذّه بإرادتنا الحرّة.
لكن كيف وما هي الوسائل؟ نقرأ على مواقع التواصل الإجتماعي وعلى بعض المواقع الإلكترونية، مقالاتٍ تتكلّم عن ما يسمّى بـ "هورمونات السعادة".
كيف يمكن زيادة إفراز هذه الهورمونات بطريقة التفكير أو طرق تحفيزها بواسطة وسائل متنوّعة أخرى.
كذلك يروّج لهذا الموضوع أتباعُ بدعٍ كثيرة، يمكن تصنيف أغلبها ضمن البدع العقلية التي تعوّل كل شيء على قوى الإنسان العقلية والذهنية "اللامحدودة والدفينة فيه" كما يدّعون.
أيضًا يروج لهذه الطرق أتباع تيّار عبر- الأنسنة Transhumanism.
قد سمعنا مؤخرًا بالمبادرة التي أطلقها "إلون ماسك"Elon Musk الذي تحدّث عن رقّاقة إلكترونية يتمّ صنعها وهي متى زُرعت في الرأس تعطي قدراتٍ إضافية للدماغ البشري.
مثلاً تساعد في تخزين معلومات إضافية في الذاكرة وحلّ المشاكل النفسية وتقلّبات المزاج، تحفز إفرازات هورمونات السعادة والناقلات العصبية و تحلّ مشاكل صحيّة كثيرة خصوصًا أمراض مثل الشلل النصفي أو الشلل الكامل، مرض باركنسون، ألزهايمر وغيرها.
نقرأ مثلاً : نعلم جميعاً أنّ السعادة هي هرمونات يفرزها المخ عند إستقباله أشياء مبهجة، فهل تعلم أنك تستطيع خداع عقلك والتحكم به عن طريق دفعه لإفراز جرعات من هرمونات السعادة خلال اليوم بطرق عملية وبسيطة؟
من هذه الهورمونات الدوبامين والسروتونين والاندروفين.
يتكلّمون مثلاً عن أهميّة الإضاءة القوية كنور الشمس أو أن تقوم بالتمارين الرياضية أو أن تكون في حالةٍ دائمة من الشكر والإمتنان.
(ليس بالضرورة الإمتنان لله، بل للكون والخلائق والطاقات الكونية وما شابه كما يروّج أتباع العصر الجديد New Age مثل ديباك شوبرا وإيكهارت توللي وباولو كويللو وغيرهم).
أو أن تتناول أطعمة معيّنة تزيد هذه الهرمونات.
يقترحون عليك مثلاً ان "تفكر إيجابيا".
هذا أمر حسن يوصي به علم النفس وهو مطلوب.
لكن أن نفكر إيجابيًا لا يغيّر الواقع كما يدّعون لكنه يجعلنا نتقبله ونعيشه كما هو فنستخلص منه العبر والدروس من أجل تقدّمنا الروحي في المحبة والفضائل.
يقنعونك أنه بمقدورك أن تغيّر واقعك بنفسك ويتكلمون عن مسبّب ما للطاقة السلبية والإحباط الذي فيك ... لكن نحن لا ندري ما هي هذه الطاقة السلبية المزعومة التي لا وجود لها لا في قاموس المنطق ولا في أيّ علم من العلوم !
لا شك أنّ بعض هذه النصائح جيد... لكن هل هذه تكفي لتكون سعيدا"؟؟
يتكلّم الإنجيل عن ثمار الروح القدس التي تكون لكَ متى كنتَ في النعمة وهي :
"محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف".
(غل ٥/ ٢٢-٢٣)
إذاً "السعادة هي ثمرة من ثمار الروح القدس لا نحصل علينا بقدراتنا البشرية بل توهب لنا بعمل النعمة وهي ليست بسبب طاقات كونية سلبية أو إيجابية".
السعادة ليست حالة من الإنسجام الكوني وجذب طاقات كونية إيجابية ! هذا من الأوهام !!
وهنا نطرح تساؤلات كثيرة :
هل السعادة هي فقط عملية بيولوجية نستطيع التحكّم فيها بواسطة عقولنا، أو أن نخدع عقولنا ؟؟
هل السعادة هي مجرّد تغيير لحالتنا النفسية أو لمزاجنا الشخصي؟؟ وهل الانسان فقط مجرد جسد ونفس ألم ينفخ فيه الله من روحه؟؟
هل السعادة هي عملية إيحاءٍ ذاتي أوتناول بعض الأطعمة التي تحفّز إفرازات الهورمونات والناقلات العصبية؟؟
هل يكفي أن نثبّت مثلاً رقاقة الكترونية كما يقول أتباع تيار عبر الأنسنة كي نتخلص من مشاكلنا النفسية ونعدّل مستويات إفراز الهورمونات في دماغنا؟؟
هل صحيح أنّ بمقدور الإنسان أن يشفي نفسه بنفسه فقط بواسطة قواه العقلية والتحكّم بأفكاره أو بجذب طاقات مزعومة إيجابية من الطاقة الكونية الموجودة في النسيج الكوني ؟؟؟
هل نحن مجرد كائنات بيولوجية أو قرود داروينية متطوّرة أو مجرد روبوتات أو سيبرغ Cyberg أي نوع من البشر المزاد بالتقنيات التكنولوجية ؟؟
هل نحن مجرّد خليقة وجدت بالصدفة في هذا الكون؟؟
ألسنا مخلوقين على صورة الله ومثاله لنا كرامة أبناء الله؟؟
هل الحياة مجرّد وجود مادي على مستوى الخلايا والأعصاب والكتل اللحمية ؟؟
هل السعادة هي فقط مجرد حالة جسديّة مسترخية ورفاه مادي؟؟؟
أليس للسعادة بُعدٌ متسامٍ يتخطّى المنظور والمخلوق إلى ما هو أبعد منه؟؟
أليست السعادة الحقّة حياة شركة إلهية وحياة أبدية؟؟
أليست السعادة حالة حب وإتحاد بالمحبوب الذي هو شخص المسيح الإله والإنسان المخلّص والفادي؟؟؟
يقول الربّ :
"وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته"
(يو ١٧/ ٣)
نعم السعادة هي قرار تأخذه ليس فقط بتعديل بعض مستويات من الإفرازات البيولوجية لكن بالرجوع إلى الله والتوبة القلبية !!
لا يهمّ حينها إذا كنتَ صحيح الجسم أو كنتَ مصابًا بالشلل أو بأيّ إعاقة جسدية أخرى، أكنت في ضيقة أم مهددًا بوباء أو كنت تعاني من ضغوط كثيرة على كلّ المستويات !!
متى كنتَ في المسيح فأنت في الفرح الدائم منذ الآن !
السعادة هي حالة من التواصل مع خالقك، حياة وعشرة معه، تبنيها بالدموع والطاعة للوصايا وعيش حياة الكنيسة الأسرارية،تتذوّقها حقًا في الإفخارستيا متى أكلتَ جسد المسيح وشربت دم المسيح !!
أثبت في الإيمان الرسولي ولا تغريك أكاذيب عدوّ الخير ووصفاته وخلطاته السحرية المنكّهة بإيديولوجيات الوهم والتأملات النيرفانية والبدع المضلّلة!!
المجد للمسيح!
/جيزل فرح طربيه/