كمثل أي أم طيِّبة، حينما أحسَّت مريم أنها تنتظر وليدًا جديدًا قادمًا في الطريق، بذلت كل ما في وسعها أن تعدَّ طفلها الأول ذا الثلاث سنوات من عمره، والذي يُدعى ميخائيل، لإستقبال الزائر الجديد.
ولمّا كانت توقُّعاتها أن وليدها المنتظر سيكون بنتًا، علَّمت إبنها ميخائيل أن يرتِّل للزائرة الجديدة تحية لها، فأخذ ميخائيل يرتِّل يومًا وراء يوم، وليلة وراء ليلة للزائرة المنتظرة وهي ما زالت في أحشاء أمها!
وهكذا بدأ ميخائيل يعقد رباط المحبة مع أخته الجديدة من قبل أن تولَد ومن قبل أن يقابلها!
وبدأتْ آلام الولادة طبيعية.
وصار الجميع ينتظرون، إنه بعد 5 دقائق، بعد 3 دقائق، بعد كل دقيقة، كلهم واقفون على أطراف أصابع أقدامهم في إنتظار الوليد الجديد.
ولكن الولادة تعسَّرت، وكانت هناك تعقيدات خطيرة أثناء الولادة، إذ مرَّت ساعات وآلام المخاض مستمرة.
وأخيرًا، وبعد معاناة طويلة، وُلدت أخت ميخائيل، لكنها كانت في حالة خطيرة.
وإذا بصفَّارة الإنذار تشقُّ سكون الليل، وسيارة الإسعاف تحضر مسرعة إلى المنزل، حيث نُقِلت الطفلة الوليدة إلى مركز العناية المركّزة للولادات الجديدة في المستشفى المجاور.
ومرَّت الأيام متثاقلة، والطفلة الصغيرة تسوء حالتها إلى أسوأ.
وإضطرّ طبيب الولادة الإخصائي أن يُصارح الوالدين وهو حزين:
”الأمل ضعيف جدًا.. إنتظروا ما هو أسوأ“.
وبدأ الوالدان يعدَّان العدة فيما لو ماتت الطفلة، فجهَّزا الصندوق الأبيض وهما في منتهى الأسى.
لقد كانا قد جهَّزا غرفة صغيرة في البيت للمولودة الجديدة، ولكن وجدا أنفسهما يُجهِّزان للجنازة!
إلاّ أنّ ميخائيل، كان يلحُّ على والديه أن يدعاه يرى أخته، وقال لهما: ”دعوني أُرتِّل لها“.
وظل يلحُّ عليهما الطلب مع هذا القول:
”دعوني أُرتِّل لها“.
وحلَّ الأسبوع الثاني والطفلة ما زالت في العناية المركَّزة، وبدا الأمر أنّ هذا الأسبوع لن ينتهي إلاَّ والجنازة ستبدأ.
ولكن ميخائيل لم يكفَّ عن أن يلحَّ السؤال والطلب أن يرى أخته ليُرتِّل لها، ولكن قوانين المستشفيات تمنع زيارة الأطفال لذويهم في العناية المركَّزة.
وفكَّرت ماما مريم وقالت لنفسها:
”ماذا لو أخذت ميخائيل معي، سواء أرادوا أو لم يريدوا، لأنه إن لم يَرَها الآن، فلن يراها وهي حيَّة“.
فألبسته بدلة أوسع من مقاسه، وإصطحبته إلى وحدة العناية المركَّزة.
وكان يبدو وهو في هذه البدلة الواسعة في صورة مضحكة!
ولكن الممرضة الرئيسة لاحظت أنه طفل، فصاحت :
”أخرِجوا هذا الطفل من هنا الآن! غير مسموح للأطفال بالدخول“.
وإنفعلت ماما مريم جدًا، وأبرقت عيناها كالنحاس المنصهر في وجه الممرضة، وفتحت شفتيها وتكلَّمت بحدَّة :
”لن يغادر المستشفى إلى أن يُرتِّل لأخته المريضة“!
وقادت مريم إبنها ميخائيل إلى سرير أخته، فأخذ يُحدِّق في هذه الوليدة الصغيرة التي تصارع المرض لتحيا.
وبعد برهة بدأ يُرتِّل.
وبصوت الطفولة البريئة، أخذ ميخائيل إبن الثلاث سنوات يرتِّل قائلًا: