حاول أحد الشبّان أن يحدّث صديقه الصيدلي عن أهميّة التوبة والرجوع إلى الله...
فكان يفشل في كل مرّة إذ كان الصيدلي يقابل حديثه بالإستهزاء والسخرية.
لهذا قرّر الشاب أن لا يفاتح الصيدلي في هذا الأمر.
وقال له لن أزعجك بكلامي مرّة اخرى حتى يأتي الوقت وتطلب أنت أن أتحدّث إليك في هذا الموضوع.
ولهذا سأترك معك جملة من أقوال الله إخترتها لك ونصّها : "إدعني في يوم الضيق أنقذك فتمجّدني". وأرجو أن لا تنساها... وما كان من الصيدلي إلاّ أن عقب عليه كالمعتاد بالسخرية والإستهزاء.
مرّت الأيام على هذا الحديث كعادتها.
وجاءت نوبة الصيدلي للخدمه الليليه. وإستغرق في النوم.
وفي هذا الأثناء إذ بطرقات شديدة على الباب أيقظته مذعور.
فقام ليجد فتاة بيدها تذكرة طبيب تطلب تحضير الدواء المبيّن بها لوالدتها التي في حالة خطرة.
فأخدها الصيدلي وبدأ بتحضير الدواء, إلاّ أنّه كان مثقلاً بالنوم, فأعدّ الدواء وصبّه في زجاجة ولصق عليها البطاقه المعتادة وأعطاها للفتاة التي سرعان ما تلقّتها منه وإنطلقت تجري بأقصى سرعة.
بعد أن خرجت الفتاة، قام الصيدلي بإعادة الزجاجات التي ركّب منها الدواء إلى أماكنها.
واذ بعلامات الرعب ترتسم على وجهه لأنه إكتشف أنّه أخطأ في تركيب الدواء ووضع مادّة سامّة بدل مادّة مهدّئه, وإزداد رعبه لمّا تيقّن أنّ أقل كميّة من هذه المادّة السامّة تكفي لقتل من يتناولها فوراً, فتمثّل أمامه ما ينتظره من مصير مظلم.
ومما زاد الحالة سوءاً أنّه لم يكن يعرف الفتاة ولا مكان سكنها.
فإندفع خارج الصيدليّة في ظلام الليل يتخبّط في الشوارع.
فتارة يتّجه إلى اليمين وأخرى يتّجه إلى اليسار فلم يرى الفتاة ولا رأى أثرها إذ أنّ الظلام إبتلعها وهي تنطلق فيه بسرعة.
تخيّل الصيدليّ انّ المريضة تناولت الدواء المميت.
فإبتدأ العرق البارد يتصبّب من جبينه. وإنهارت قواه. وتمثّلت أمامه النهاية المحزنة. وماذا يفعل أمام القضاء؟
وفجأت أضاءت في مخيّلته المشتّته, الجملة التي تركها صديقه, أدعني في يوم الضيق أنقذك فتمجّدني, فرجع إلى الصيدليّة وألقى بنفسه على ركبتيه أمام الله وصلّى.
صلّى في هذه المرّة ولم يكن يستهزيء أو يسخر.
صلّى وصرخ إلى الله وهو مرتعب ومرتعد وطلب الإنقاذ من هذه الورطة التي ستوقفه أمام المحاكم وتقضي على مستقبله, صلّى هذه المرّة وهو على يقين شديد أنّ الله وحده يقدر أن ينجّيه.
بعد أن صلّى جلس وإذا بطرقات على الباب فخرج يستجلي الأمر.
فعقدت الدهشه لسانه لأنه وجد نفس الفتاة واقفه أمامه تبكي بحرقة وتمسك بيدها عنق الزجاجه وتقول : (آه يا سيّدي أنقذني, لأني أثناء الجري في الطريق تعثرت وسقطت فإنكسرت الزجاجة وسال الدواء على الأرض).
ويمكنك ايها القاريء أن تلمس مقدار دهشة الصيدليّ وتحسّ بإحساسه وهو يتناول تذكرة الطبيب للمرّة الثانية ويركّب الدواء الصحيح.
أمّا كم كان شكره القلبيّ فلا يستطيع أحد أن يقدّره إلاّ هو.