طلبَ ملكُ من صائغه يوماً بأن يصنع له إكليلاً من الذهب ليُتوِّجَ به صاحب أعظم عملٍ في رعيته، وبالفعل شرع الصائغ بما أمره الملك.


وبعد أيام كان الإكليل الذهبي بين يدي الملك.

عندها جاب المنادون الشوارع ينادون على صوت قرع الطبول عن جائزة الملك لأعظم عمل في المملكة وعلى الراغبين في المنافسة المثول أمام جلالته لتقديم أعمالهم.

وفي اليوم الفلاني في باحة القصر وعلى مسمع ومشهد الجميع من الرعية.

وفي اليوم الموعود، توافد الشعراء والعلماء والرسامون والحرفيون كل يدلي بدلوه ..

- فجاء رسام وعرض لوحة فنية وخطاً بديعاً.. ثم عاد وجلس مكانه...

- ثم قام رجل يجلس بجانبه يحمل كتباً علمية وحدَّثَ الملك عن تجاربه وإختباراته، ثم عاد ليجلس مكانه.


- ثم قام رجل ثالث كان يجلس بجانبه أيضاً وألقى على مسمع الملك قصيدة رائعة، ثم عاد ليجلس مكانه.

وللحظة إنتبه الملكُ لإمرأة عجوز تجلس بجانب الثلاثة فحسبها من المشتركين في المسابقة، فقال لها:
- ما لديكِ لتقدميه لنا أيّتها العجوز الموقرة؟ فقالت له:

- يا عالي المقام، لا شيء لدي لأقدمه، أنا أمُّ لهؤلاء الثلاثة الذين كانوا أول الماثلين بين يديك، وجئتُ كي أرى من منهم سيفوز بالإكليل الذهبي! عندها نهض الملك عن كرسيه وقال:

- أيها الحضور الكريم لقد إنتهت المسابقة بالنسبة لي، ضعوا فوراً الإكليل الذهبي على رأس صانعة الرجال.





قارئي العزيز...


إنّ أرقى صناعة في الوجود هي صناعة الإنسان فإنّ الدببة تولد دببة، والأسود تولد أسوداً والأسماك تولد أسماكاً والطيور تولد طيوراً ولكن البشر يولدون مادة خام قابلة لتكون إنساناً وأعظم فنّان في هذا الوجود هو الذي يتلقى هذه المادة الخام ويبدع فيها ليهب هذا العالم إنساناً حقيقياً !
وهذا الفنان هو الأم ولكن الأعظم والأروع هم أولئك الفقراء والبسطاء الأميون في نظر الناس حين يهبون العالم بشراً حقيقيّين.
حين يخرج المهندس من بيت عامل النظافة.
ويخرج الطبيب من بيت الخياط.
ويخرج الكاتب وأستاذ الجامعة وصاحب الشركة...... إلخ من بيت الإسكافي.

فكن على يقين أنه لا أعظم من هؤلاء إلاّ أولئك الذي صنعوهم ليكونوا ماهم عليه.. فأنتم أبطال فعلاً أبطال حقيقيون يا أيّها البسطاء حتى وأن لم تضعوا على رؤوسكم أكاليل الذهب.

#خبريّة وعبرة
/خدّام الرب/