مرّ على حبّهما الصافي الصادق سنين وسنين وهما في الشوق ذاته والشغف ذاته , إلى أن شاءت الأقدار أن تموت حبيبة ذاك العاشق ومن شدّة حبّه بها لم يقبل أن يواري جسدها التراب بل رغب بتحنيط جسد حبيبته كي يبقى ماثلاً أمام عظمة جمالها متى رغب وشاء.
ولكن عليه كي يحنّطها أن يذهب بها على متن قاربه إلى جزيرة يباع فيها مواد خاصة بالتحنيط وهذا ماحصل.
وضع العاشق جثمان حبيبته على القارب الصغير وأخذ هو يبحر ويبحر ويبحر والحزن بادٍ على وجهه الذي غرق بالدموع التي أحرقت وجنتيه.
بكى عاشقنا كثيراً وتعالت أناته أرجاء مياه النهر إلى أن سمعت أنّاته جنيّة تسكن ماء النهر.
فظهرت لذلك العاشق تعزية بوفاة حبيبته ولشدّة ما تأثّرت الجنيّة بحزن العاشق عرضت عليه إعادة حبيبته إلى قيد الحياة , ذهل العاشق للوهلة الأولى من عرض الجنيّة ولكنه سرعان ما إستعاد قوته وأجابها بالقبول ولكنها إشترطت عليه أنّ الوسيلة الوحيدة لحياة حبيبته هي قطرة من دمه.
أجابها موافقاً فجاء بإبرة وغزها في أصبعه وأسقط نقطة من دمه في فم حبيبتها وللحظة بدأت الحبيبة تفتح عينيها ويستعيد وجهها الملائكي رونقه وجماله.
عاد العاشقان إلى ديارهم والسعادة تغمر القلبين وبقيا على هذه الحال من العشق والهيام مدّة إلى أن جاء يوم غادر فيه عاشقنا إلى عمله في أثناء غيابه جاء رجل ذو هيبة ونفوذ و رسى بسفينته على الساحل أمام منزل عاشقنا وحبيبته التي أبهرها حجم السفينة وأذهلتها طلّة صاحب النفوذ وسحرتها نقوده و حليه ومجوهراته التي عرضها عليها فذهبت معه راضية مقتنعة تاركة خلفها الحب المتواضع الصادق كي تنجرف خلف المال والنفوذ والسطوة.
عاد عاشقنا وعلم بما حصل ,جنّ جنونه وثار غضباً ولحق حبيبته إلى أن وصل لها حادثها وطلب إليها الرجوع لكنها رفضت.
شرع صاحبنا بالمغادرة ولكنه قبل ذلك طلب منها قطرة الدم التي قدمها لها عربوناً للحياة فقبلت وأعادتها له وبالفعل وخزت أصبعها وأعادت القطرة. وفي لحظة خروج القطرة من أصبعها بدأت الفتاة بالذبول شيأ فشيأً وأصبحت تتجعّد بشكل بشع ويصغر حجمها ويتضاءل بالصغر إلى أن أصبحت بعوضة صغيرة صغيرة.
وهكذا يا أصدقائي...
قصّة البعوضة التي تغرز إبرتها في جسدنا كي تحصل على قطرة من دمنا علّها تعود تلك الحسناء التي خانت والتي لم تعلم أنّ الخيانة ثمنها بعوضة.