يحدّثنا البشير لوقا في الفصل السابع عن قصّة مثيرة حدثت في الشطر الشمالي من فلسطين في قرية تدعى نايين .
كان هناك في تلك القرية وفي زمن المسيح إمرأة تعيش مع زوجها ومع إبنها الوحيد.
يوماً من الأيام مرض رجلها ومات.
كان هذا الأمر صعباً جداً عليها ، لكن عزائها كان منحصراً في إبنها الوحيد الذي أصبح بالنسبة لها كلّ شيء في حياتها ، لكن حدث ما لم يكن بالحسبان فمرض الإبن الوحيد وهو في ريعان شبابه ومات ، وهكذا أصبحت أرملة وثكلى بعد فقدان وحيدها العزيز.
حضر كل أهل بلدتها لتعزيتها ومشاركتها في مصابها ، ثمّ حمل الشبّان الفتى الميت وساروا به بإتجاه المقبرة لدفنه.
كانت الأم الحزينة تسير خلف النعش كسيرة القلب ، محطّمة النفس ، تبكي وتولول.
بينما كان موكب الجنازة هذا متجهاً نحو المقبرة وعند مفترق إحدى الطرق إلتقى بموكب آخر ، إلتقى موكب الحزن والدموع والنحيب الذي يترأسه ملاك الموت بموكب آخر يترأسه المسيح ربّ الحياة.
ما إن إلتقى الموكبان حتّى وقعت أنظار المسيح على الأم المنحنية والمتعثّرة بدموعها وهي تسير وراء نعش إبنها العزيز.
توقّف يسوع حالاًً وكأنّه لا يوجد أمامه بين كل هذه الجماهير المتجمهرة سوى هذه المرأة.
تحرّك قلبه المحب بالحنان على تلك المسكينة فإقترب إليها وقال لها كلمتين فقط ، قال : "لا تبكِ". لا شكّ أنّ الجموع تعجّبت من هذه العبارة وتسائلت من يقول لأمرأة فقدت زوجها ثم إبنها الوحيد : لا تبكِ أهكذا يعزّون ؟ كيف لا تبكِ ؟
ولتعلم الجموع أنّ الذي يقول هذه العبارة يستطيع ليس فقط أن يمسح الدموع لكنه يستطيع أن يحوّل دموع الحزن والألم إلى دموع الفرح والبهجة.
توقّف الجميع وكأنّهم أصنام أمام ذلك المشهد يتأمّلون في المسيح يتكلّم إلى الأم ثمّ يسير نحو حاملي النعش.
ساد الجميع صمت رهيب وكأنّ على رؤوسهم الطير ، ثم أخذ الكل ينظر بعضهم لبعض بإستغراب شديد ، تُرى ماذا سيحدث ، وصل المسيح إلى حاملي النعش ومدّ يده ولمس النعش ، فوقف الحاملون ثم آنزلوه إلى الأرض ، عندها قال يسوع للشاب الميت :
"أيّها الشاب لك أقول قم " ، فللحال جلس الميت وإبتدأ يتكلّم فأخذه يسوع إلى أمّه.
لا شكّ عندها فهم الجميع لماذا قال يسوع للأم لا تبكِ.
لقد تحوّلت الجنازة إلى عرس ، تحوّلت الأحزان إلى أفراح ، تحوّل البكاء إلى إبتهاج ، وتحوّل الندب والنوح إلى ترنيم وتسبيح.
لقد بطلت مهمّة حاملي النعش لأنّ الصندوق الذي يحملونه أصبح فارغاً والمسيرة المتّجهة إلى المقبرة إستدارت متّجهة نحو البيت ، أمّا عبارات التعازي فتحوّلت إلى عبارات التهاني.
عزيزي القارئ...
من هو هذا الذي يصنع كل هذا العجب ؟. من هو هذا الذي يستطيع أن يغيّر كل هذه الأوضاع والظروف ؟. من هو هذا الذي يخاطب الميت فيسمعه في الحال ويحيا ؟
هذا هو المسيح مريح التعابى ، معزّي الحزانى ، شافي الأمراض ، محرّر الأسرى ، مقيم الموتى.