كنتُ أشعر إنّي غير عن نفسي برغم مكانتي العظيمة عند أصدقائي وتلاميذي الذين كان يحلو لهم أن يلقّبونني بالقائد العظيم.
فقد عشتُ طفولة تعسة وكان أبي قاسياً ، يضرب ويشتم ويسب، وقاسيت بسببه الكثير ولكن أمّي كان لها النصيب الأكبر وكانت تتحمّل بصبر وتطلب من الله أن يعوّضها بإبن بارّ قدّيس...
ولكن، للأسف نشأتُ متمرّداً ساخطاً على المجتمع وتعلّمتُ شرب الخمر ومارستُ كل أنواع الخطيئة والجريمة حتّى أصبح لي تلاميذ يلتفّون حولي ، كل صباح ، لأوزّع عليهم العمل ، فهذه مجموعة للسرقة والنهب وأخرى للإستكشاف والحراسة ، وفي نهاية اليوم أقسّم لهم الغنيمة دون أن يتجرّأ أحد على المعارضة و إلاّ كانت نهايته على يدي.
و ما إن أخلد للنوم حتّى ترتسم في مخيّلتي وجوه الذين قتلتهم أو سرقتهم ، فأشعر كم أنا حقير وأتذكّر توسّلات أمّي أن أرجع عن هذا الطريق ، فأشرب كأساً من الخمر حتّى أنسى و عندما رآني أحد زملائي أبكي ، سخر منّي وقال لي : لم أكن أعلم أنّ لك قلب !
و في أحد الأيّام أخبرتني مجموعة الإستكشاف عن وجود شاب يعيش مع أمّه يملك مال قارون إلاّ أنّ الوصول إليه من المحال و يحتاج لمهارة القائد العظيم شخصياً ، فشعرتُ برغبة جارفة في تحقيق هذا النصر وقد إشتهرتُ أنّ لي قلب الأسد و دهاء الذئب ، فعزمتُ على الذهاب وكلّي فخر وزهو ، إذ كنتُ متأكّداً من نجاح خطّتي و فعلاً تسلّلتُ إلى القصر ، فإعترضني الحارس ، فقتلته بالسكّين ، و وجدتُ نفسي وجهاً لوجه أمام أم مذعورة مسكينة ، فتوسّلت إليَّ أن أستمع إليها ثمّ أفعل ما أشاء، فإستجبتُ إليها مدفوعاً بحب الإستطلاع.
فقالت لي الأم : أنا مشلولة منذ عشرين سنة وليس لي في الدنيا سوى إبني الذي يحنو عليّ ويخدمني بنفسه ، فأقتلني أنا وخذ ما تريد ، إنّما أترك إبني ، أليس لك أم ، هل تتمنى أن ينكسر قلبها هكذا ؟
إخترقت كلماتها شغاف قلبي مثل سيف من نار ، فقد ذكّرتني بأمّي التي كانت تبكي عليَّ بحرقة شديدة عندما تراني في الخطيئة و .... وهنا وقع السكّين من يدي و قلت لها : لا لن أقتل و لن أكسر قلبك ولا قلب أمّي من الآن و فررتُ هارباً.
و عندما عدتُ لزملاء الشرّ و أخبرتهم ، لم يصدّقوني وإعتبروها خدعة لكي أنفرد بالغنيمة كلّها و فوجئت بصديق عمري يتوعّدني أن يسلّمني للسلطات و فعلاً لم يمضِ سوى يومين حتّى كنت في السجن وبلغت التهم المقدّمة ضدّي ٢٥ تهمة من قتل وسرقة وغيره.
وكان الحكم هو الإعدام.
و في الصباح أخذني الجنود لتنفيذ حكم الإعدام صلباً و إنتابتني الدهشة عندما وجدتُ صديق عمري على الصليب الآخر وهو يلعن ويسب ، بعد أن سقطت كل العصابة ، ولكنّي رأيتُ شيئاً عجيباً ، فها هو يسوع الذي يُقال له الناصري سيصلب مثلي وكنت قد سمعتُ عنه إنّه يشفي المرضى ويقيم الموتى ويفتح عيون العمي و صعقتُ من منظر إكليل الشوك المغروس في جبهته والدماء تنزف من كل نقطة في جسمه والجند يهزءون به ولكن الذي أدهشني أكثر إنه يطلب الصفح لصالبيه ، لا ..... إنه ليس إنسان.
ما هذا النور الذي يخطف الأبصار الذي يشعّ من وجهه ؟ ما هذا الحب الذي يحمله لصالبيه ؟ ما هذه القوّة التي يتكلّم بها رغم مظهره الضعيف ؟ ما هذه النعمة التي تخرج مع كل كلمة ينطق بها؟
لا إنّه ليس مجرماِ مثلي ، إنّه الإله.
وهنا وجدتُ زميلي يهزأ به ، فإنتهرته بشدّة ، كم من جرائم مشتركة إرتكبناها معاً ، أمّا هذا البار فلم يفعل شيئاً ، وهنا نظر لي ربّ المجد نظرة أذابت قلبي ، فشعرتُ بقوّة تسري في أعضائي ، فإستجمعتُ كل شجاعتي و صرختُ بكل قوّتي: أذكرني يا ربّ متى جئت في ملكوتك ، وإذا بي أسمع الحكم الإلهيّ الذي إهتزّ له قلبي من الفرح و هو يقول لي : «الحق أقول لك إنّك اليوم تكون معي في الفردوس» ( لو ٢٣ : ٤٣ )
+ أيّها اللص الطوباويّ ماذا رأيتَ وماذا أبصرتَ حتّى إعترفتَ بالمسيح المصلوب بالجسد ملك السماء وإله الكل؟
+ من أجل أعمالكَ أيها اللص عُلّقت على الصليب كالمذنبين و بإيمانكَ إستحقت النعمة والفرح وملكوت السموات وفردوس النعيم!
+ يا ملك الملوك المسيح إلهنا و ربّ الأرباب ، كما ذكرت اللص اليمين الذي آمن بك على الصليب أذكرنا في ملكوتك.