إذ دعانا رئيس جامعة "الروح القدس" الكاثوليكية بلبنان لنجلس معًا على إحدى قمم جبال لبنان الجميلة راعنا منظر المياه التي تتسللّ وسط الجبال المكتسية بالخضرة.
مع جمال الطبيعة تجد النفس أيضًا الهدوء الداخلي لتستشف حقيقة ذاتها، وتدرك عطايا اللَّه لها.
قال الأب رئيس الجامعة :
منذ شهور كنت أستضيف أستاذًا جامعيًا أجنبيًا في نفس المطعم، وقد أُعجب بالمنظر جدًا، لكنه بعد فترة تساءل :
"أين تذهب المياه المتسللة من وسط الجبال؟"
أجبته إنها تنحدر حتى تبلغ البحر الأبيض المتوسط".
وقعت هذه الكلمات كالصاعقة عليه، إذ قال :
"كيف يكون هذا؟ إن كل قطرة مياه لها ثمنها!
لو أن هذه المياه في بلدنا لما تركنا قطرة واحدة تنساب إلى البحر، بل نستغلها لتحول الصحاري والبراري إلى جنات!"
أصيب الأستاذ الجامعي بحزن ومرارة لإهدار الموارد الطبيعية، وعدم إستغلال عطيّة اللَّه للمجتمع.
هذه هي مشاعر السمائيين حين يرون أنهار مياه حيّة تنساب في قلوبنا لكنها لا تنحدر لتروي قلوب الآخرين الجافة.
وقف السيد المسيح في اليوم الأخير العظيم من العيد ونادى قائلًا :
"إن عطش أحد فليقبل إليَّ ويشرب؛ من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو ٧ : ٣٧-٣٨).
عطية اللَّه العظمى هي روحه القدّوس الذي يُقدّمه لنا كأنهار ماء حيّ، تفرح مدينة اللَّه التي في داخلنا كما في داخل الآخرين.
وهبتني روحك القدوس، أنهار مياه حيّة. تفيض في أعماقي، فتحولها إلى مدينة متهللة! تحول بريتي إلى جنة لك! أدعوك لتأتي وتأكل وتشرب يا حبيب نفسي!
لتدعو أصحابك السمائيين، فيجدون فيَّ مسرتهم!
روحك روح الحب الذي لا يعرف الأنانية، يفيض فيَّ فأحب كل بشرٍ، حتى مقاوميَّ ومضايقيَّ!