تتحدّاني أن أقولَ لك "مَن خلقَ الله"؟!
ومَن تكون أنت لتسأل الله "مَن خلقك"؟ وبسؤالك هذا تستخفّ بمن تسأله لتبرهن أنّك قادر على طرح أسئلةً مُعجِزة.
إن كان الله مخلوقًا- حاشا- فأنت لم يخلقك أحد لأنّ المخلوق لا يمكنه أن يخلق.
فالخَلق يعني إيجاد المخلوقات والأشياء من العدم، وهذا الأمر يَعجز عنه المخلوق، ولا يقدر عليه سوى الخالق.
ولنذكر قول الكتاب: "أتسألُ الجبلة جابلها لماذا جبَلتَني؟" فإن كان المخلوق لا يجسُر أن يسأل خالقَه "لماذا خلقتَني"، فهل يجسر أن يسأل خالقه: "مَن خلقك"؟الله هو الخالق وإن جعلتَه مخلوقًا تجعلُه مُساويًا لك.
لكن هل تُدرك أنّ الخالق أزليّ سرمديّ وأنت أقلُّ شأنًا من ذرّةِ تُراب، بل أنت العدَم إن قِستَ نفسك بالله؟
وإن كان سؤالك ُيُضمر شكًّا بوجود الخالق ولا تقرّ بوجوده، فحريٌّ بك أن تستخفّ بنفسك، ولترتدّ عليك الحيرة التي تعتقد أنّك تلقيها على الآخرين بسؤالك المجدِّف.
فنحنُ عندها نتحدّاك أن تقول لنا: "أنتَ مَن خلقك"؟
الربّ هو الخالق منذ الأزل، كما قال أشعيا: "الربّ إلهٌ سرمديّ، خالق أقاصي الأرض"؛ "الله جابل الأرض وصانعها"؛ "هكذا قال الربّ خالق السموات.
أنا الربّ صانع الكُلّ، ناشر السموات وحدي وباسط الأرض بنفسي"؛ " إنّي أنا الربّ وليسَ آخَر".
والخَلق يعني أن إيجاد الكائنات من العدَم وجعلها ضمن إطار المكان والزمان.
أما قرأتَ أنّ الله في البدء "خلق السموات والأرض"، أي خلقَ المكان، ثمّ خلق الزمان بقوله: "كان مساءٌ وكان صباحٌ، يومٌ أوَّل".
الكائنات جميعًا تقع ضمن حدود المكان والزّمان، أمّا الله فهو خالق المكان والزّمان وغير محدودٍ بهما.
ومِن هُنا يتّضح بُطلانُ سؤالك "مَن خلق الله" لأنّ معناه: "مَن أوجدَ الله من العدم ومَن وضعَهُ ضِمنَ حدود المكان والزّمان؟وأن يكون الله ضمن إطار الزّمان والمكان فيعني أن يكون– حاشا- محدودَ القُدرة ومحدود المعرفة ومحدود الوجود في مكان وزمان محدَّدَين حصرًا، وعرضةٌ لفناء لأنّ كلّ مخلوق، والكون والكائنات جميعًا صائرةٌ يومًا إلى الزّوال؛ أمّا الله فهو كليّ القدرة وكليّ المعرفة وكائن في كلّ مكان وزمان omniscient.
وهذه الصفة الأخيرة غير كافيه للدّلالة على عظمة مجده، فهو ليس فقط موجودًا في كلّ مكان وزمان، بل هو أيضًا خارج المكان والزمان، وغير محدودٍ بهما.
هو في الأزل والأبد، بل وهو صانعُ الأبد كما يقول أشعيا: "هو أبو الأبد".
فحريٌّ بك يا مَن تسأل هذا السؤال أن تسجُدَ بعقلِكَ وبكليّتك أمام إلهك فهو القائل: "أنا الربّ إلهك" وقال أيضًا "للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبُد".
ولإلهنا المجد. آمــــــين.
/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/