تبادل الأفكار عن بُعد هل هو ممكن؟
أغمض عينيك أينما كنت وركّز على فكرة في رأسك وحاول أن ترسلها إليّ.
وأنا هنا، سأحاول أن أستقبل فكرتك بعقلي.
ألا ترى أنّ ما نحاول القيام به ليس من إمكانيّات عقلنا؟ أي أنّنا نمارس الوهم؟ وإستعمال العقل لغير وجهة إستعماله هو إساءةٌ له.
فنحنُ تُسيءُ إستعمالَ عقلنا لأنّه لم يُجعَل "لإرسال" الأفكار و"إستقبالها" عن بُعد، وكلّ إساءةُ إستعمالٍ فيها أذيّة.
في سنة ١٨٨٢ زَعمَ فريدريك مايرز Myers (1901-1843) أنّ تبادُل الأفكار عن بُعد telepathy ممكن من دون إستعمال الحواس أو أي وسيلة ماديّة.
والإختبارات التي أُجريت على التخاطر عن بُعد غير مثبّتة علميًّا ومشكوكٌ في نتائجها.
من مزاعم التيّارات الباطنيّة أنّ للعقل قُدُرات فائقة.
فالإنسان يمتلك في عقله قوّة تمكّنه من تقوية قدراته على التفكير والإدراك ومعرفة أفكار الآخرين والتّأثير في أفكارهم ومشاعرهم.
وهو يحقّق ذلك من خلال ممارسات لا تؤثّر في الآخرين، بالحقيقة، بل تؤذيه في عقله ونفسه، وتُدخِلُه في الوساوس والهلوسة والأوهام والتشتّت العقليّ والإبتعاد عن الواقع.
الله لم يُعطِ العقلَ قُدرةً على إرسال أو إستقبال الأفكار عن بُعد وتبادلها مع آخرين.
فالعقل جُعِلَ للتفكير والتذكّر والتخيّل والتّعبير عن الأفكار بالطرق الطبيعيّة كالكتابة والكلام وحتّى بالرسم والإشارة... لكنّ التيّارات الخفائيّة تقول بتأليه العقل لكي يؤلّه الإنسان ذاته ويَعبُدَ صنمَ ذاته بدل عبادة اللهوقد تتدخُل أرواحٌ غريبة توحي للشخصين بأفكار مُتشابهة فيعتقد أحدُهم أنّه أرسلها ويعتقد الآخر أنّه تلقّاها.
فكلّ حادثة "تخاطُر" هي من إنجاز إبليس.
وإبليس يجري حوادث متكرّرة من "التّخاطُر" ليُخادع كثيرين ويثبّتهم في اعتقادهم أنّ "التّخاطُر" ممكن، فينهمكون في هذه الماارسة لأذيتهم وخراب عقلهم وينجرّون إلى الجماعات الباطنيّة، فيزداد بالتّالي تأثير اللأرواح الخبيثة عليهم، لأنّ الجماعات الباطنيّة هي شيطانيّة.
الأفكار هي عمليّات ذهنيّة يُجريها العقل ويَختَزنُها ويحللها ويَنقُدُها ويغيّرها... فلا وجود مستقلّ للأفكار بمعزل عن العقل وخارج العقل.
الأفكار ليست كائنات موجودة في ذاتها، وبما أنّها ليست "موجودات" أو "كائنات" أو "أشياء" ولا حتّى "أرواح"، فلا يمكنها التنقّل من مكان إلى آخر أو من عقل إلى آخر، ولا يمكن إرسالها ولا استقبالها، ناهيك عن قدرة العقل على إرسالها واستقبالها.
ومَقولة "للأفكار أجنحة" هي مجرّد تعبير شعريّ.
فالأفكار لا تطير في الهواء ولا تنتقل كموجات الراديو عبر الأثير، والله والملائكة والأرواح الخبيثة تقرأ أفكار البشر التي تتوارد في عقولهم، ولا تقرؤها وهي طائرة، تتنقّل من مكان إلى آخر. ولم نسمع أنّ الرسل والقدّيسين تخاطبوا بعقولهم عن بعد أو تلقّوا "أفكارًا" عن بُعد أو خاطبوا آخرين بأن أرسلوا إليهم أفكارًا عن بُعد، فهذا هُراء ومُستحيلٌ وباطل.
الأفكار تنتقل بالتعبير والتّحاور المباشر بين النّاس، أو عبر أدوات التواصُل المعروفة.
مع الإشارة إلى إمكانيّة أن يتلقّى المؤمنون إيحاءات من الروح القدس، بحسب حكمته ومشيئته، ومن ناحيةٍ أخرى، هناك إمكانيّة أن تؤثّر الأرواح الخبيثة في عقول البشر، كأن تجرّبهم بفعل الشرّ أو أن تؤثّر في مشاعرهم فتُصيبُهم بالقلق والمخاوف والكُره وما إللى ذلك.
مَقولة "التّخاطُر عن بُعد" هي إحدى المقولات التي يُحارب بها إبليس إيماننا.
فالروح القُدس وحده يوحي إلى المؤمنين ما ينفعُهم لخلاصهم، وليس لنا سوى التمسّك بإيماننا والاعتصام بحماية ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح له المجد. آمين.
/الأب أنطوان يوحنّا لطّوف/
ماجستر في العلوم اللغويّة